لم تكن الحرارة مزعجة، ربما بسبب العري، نسمة هواء تداعب النهدين، تتسع عيناها وهي ترقب ذلك الجسد العاري، تشتد الدهشة حين يتحرك الجسد إلى الناحية الأخرى ويختفي.
كان عليها أن تحرك رأسها قليلا لتراه مرة أخرى، جسد طويل مشدود العضلات خاصة عضلات البطن، بسبب عدم الحبل لا شك، وعضلات العنق، إنه البرميل لا شك، وعضلات الذراع اليمنى، بسبب الحفر بالإزميل لا شك، وأصابعها طويلة مسحوبة الأطراف مشبعة بالحركة دون أن تحركها، ولون الأظافر أسود.
لم يسبق لها قط أن تأملت جسمها من هذا القرب، قمة أنفها حمراء ملتهبة بسبب الشمس، وجفونها متورمة، كتفاها يهبطان بحدة إلى اليمين وإلى الشمال، لونهما برونزي قاتم مثل كتفي المومياء، لكن عند الصدر كانت تبتدئ منطقة اللحم الحقيقي، نهدان بارزان في كبرياء، حاران، كأنما تسخنهما من الداخل روح خفية، والحلمتان نافرتان مستنفرتان تنبضان مع نبض آخر ينبعث من عمق مجهول.
هبطت عيناها مع انسياب الجسم، تجمدتا فوق غابة الشعر أسفل البطن، عبثا حاولت أن تنظر، لم يكن لها أبدا أن ترى بوضوح، وإن دققت النظر تحس الالتهاب في عينيها، لم تكن تستطيع النفاذ إلى هذه الغابة، التي بدت لها رغم الكثافة فارغة من الداخل، أكان ذلك بسبب فراغ العالم؟!
أشد ما كان يفزعها، هو عجزها عن التحديق طويلا في عينيها، تراهما غائرتين تحت عظام جبهة يابسة كالأرض، تنظر إليهما، كما لو كانتا نقطتين في الأفق بعيدتين جدا، أبعد من النجوم، كأنما لو كانتا عيني امرأة أخرى تطلان عليها من وراء السحب. - عينا واحدة من الإلهات لا شك.
كانت قد حددت المكان حسب الخريطة، واصلت الحفر على مدار اليوم من الشروق إلى الغروب، لم تكن تتشكك في المكان ، ورائحة جسدها تتصاعد من بطن الأرض، لا شيء يدل على الجسد إلا الرائحة، لكنها في نهاية اليوم لم تعثر على شيء، خرجت مع الإزميل خاوية اليدين.
ربما أخطأت المكان، لا شيء كالخطأ يعيد إليها الأمل، حملت حقيبتها وانتقلت إلى مكان آخر تصورت أنه الصحيح، كانت الرائحة تتصاعد منه على نحو أشد، كلما اشتدت الرائحة ازداد يقينها أنها بالقرب من جسدها، حفرت حتى وصلت القاع، لم تعثر على شيء، فانتقلت إلى مكان آخر، لم تكن مستعدة لقبول اليأس، انقضى اليوم وهي تحفر دون طائل، احتضنت الأمل على امتداد اليوم وراء اليوم، وفي كل يوم تنتقل من مكان إلى مكان، في نهاية المطاف حين انصرم النهار الأخير وغابت الشمس، تهاوى جسدها وراحت تجهش بالبكاء. - أيكون من الأفضل أن تعود إلى حمل البراميل؟
لكن الدموع كانت تنحدر كالبخار المحبوس، تخفف رأسها من ثقل الضغط ثم فتحت عينيها، أدركت أن جفونها ملتهبة والدموع امتزجت بذرات النفط، لكن عقلها كان يصفو على نحو غريب، ولاحت لها فكرة من بعيد كالنجم يلمع في ظلمة الليل، إن عدم وجود الإلهات في هذا المكان لا يعني عدم وجودهم على الإطلاق، ثم إن الأرض تدور، وربما قد تبدل المكان بمكان آخر مع دورة الأرض. - فكرة منطقية تماما.
وكان هناك الدليل على هذه الفكرة، إن موضع جسمها قد تبدل فعلا، لم تعد في مكانها الأول، كان تدفق الشلال يجرفها إلى مكان آخر، وفي بطن الأرض كان التيار أيضا يدفع الرفات بحركة مستديمة، كان يمكن لرفاتها على هذا النحو أن تجتاز الحدود، لولا نقطة التفتيش، وإذا كان الحارس غارقا في النوم.
ربما هو حظها العاثر، كان الحارس يقظا بسبب يقظة البعوض ليس إلا، والمبيدات أيضا كانت مغشوشة تلتهمها البعوضات في غمضة عين، وتغدو الواحدة منهن في حجم الضفدعة، أجل، كان يمكن أن تفلت بعض الأجسام من جواز المرور، ربما أفلح جسمها في الهرب بلا تذكرة، ولا تصريح مكتوب بخط زوجها، ولا ورقة صفراء مختومة بالصقر وتوقيع رئيسها في العمل، لم تكن لديها النية في خرق القوانين، كانت مثال الطاعة والولاء، وكان يمكن على الأقل لرفاتها أن تموت دون فحوص، لولا إنشاء ذلك المبنى الذي سمي فيما بعد بالمشرحة، في أحلامها بالليل لم تكن تستطيع النظر إلى جسدها الممدود، فوق المنضدة الباردة من الرخام، وأنفها مملوء بالفورمالين.
صفحه نامشخص