ومع ذلك لم تفكر واحدة من النسوة في الهروب، لم تكن تفهم السر، لماذا تضطر المرأة للعودة وهي لا تخسر شيئا إن لم تعد؟ اللهم إلا العلقة الساخنة، لكن النسوة بدأن في الابتعاد داخل الظلمة، لم تسمع منهن إلا أصواتا هامسة من بعيد كحفيف الهواء: هذه المرأة تفكر في الهروب. - امرأة بلا عقل. - ركب رأسها الشيطان. - بل إنه البرميل يسخن الرأس. - لعنة الله عليه، أصابنا جميعا بوجع الدماغ. - الرحمة يا ستنا الطاهرة. •••
كان الرجل قد عاد فجأة، بدأ يرفع البرميل من فوق الأرض، وهي تبرك كالجمل فوق ركبتيها، بحركة واحدة أصبح البرميل فوق رأسها، لا يفصله عن فروة الشعر إلا تلك الحواية، ملفوفة حول نفسها والعقدة فوق الجبين، بدأت السخونة تتسرب وعنقها يلتوي، كانت تفكر ماذا يمكن أن تخسر؟ لم يكن هناك شيء تخسره، اللهم إلا ذلك الاحتكاك أثناء النوم، حين تمتد ذراعه في الظلمة، ويمسك يدها، فتتركها له لمجرد استغراقها في النوم، فإن لم تكن مستغرقة تتركها له أيضا، مع تأنيب الضمير، وقد تسحبها منه وهي تتثاءب ثم تتقلب على الجنب الآخر لتواجه الحائط. - ألم يكن بيننا في البداية حب؟
قد يكون هذا هو صوته، أو ربما هو صوتها، كل منهما اكتشف بعد فوات الأوان هذا الشك، الذي كان موجودا منذ البداية، وواضحا كل الوضوح، لكن كل شيء كان غامضا، وعسيرا على الفهم، ربما هو النفط، أو السخونة في الرأس، وربما هو الخجل أيضا حين يكون الحب غائبا، وحين تكون الصداقة بين الرجل والمرأة غير واردة، فما الذي يمكن أن يجمعهما معا؟ - ماذا تقول؟ - الحبل.
كان الرجل في مكانه واقفا، مدليا كتفيه، صدره عار في مواجهة الليل، رأته يشد عضلات وجهه ويفتح فمه، حركة أشبه بابتسامة الحب، كانت أشد قسوة من الكشف عن أنياب الذئب، قد يتورط في عمل الحب، لكن ذلك لن يكون إلا بسبب اليأس، واشتداد الحرارة أو التهاب الجلد. - الرجل يفوق المرأة في كل شيء حتى الحب. - أتعني حب الذات؟ - اسمعي! ما هذه الأصوات؟
لم يكن في إمكانها سماع أي شيء، ربما كانت الأصوات تنبعث من الماضي أو الخيال المصاب بضربة شمس، واستطاعت رغم ذلك أن تدرك العلاقة بين حب الذات وشهوة الجنس.
رفعت ذراعها إلى أعلى، وأمسكت قعر البرميل ، خشية السقوط، أوغلت بقدميها في البئر، أدركت وهي تغوص أن هناك شيئا آخر في الطفولة، لا يمكن أن تنساه، وهي النظرة في عيني خالتها، قبل أن تختفي العربة في الليل ومعها الكلاب، كان تدفق المطر يزداد مع قوة الريح، والذرات السوداء تتطاير بسرعة أكبر، تشبه الصراصير الطيارة في الليل، رغم المطر وانزلاق الأرض، كان عليها أن تحمل من البراميل الضعف أو الضعفين، بأمل الحصول على تذكرة العودة، أو نصف تذكرة، كان يمكن تخفيض الثمن إلى النصف في حالة الأطفال تحت سن الرشد أو النسوة من ذوات السمعة الطيبة، أو الرجال من ذوي الأمراض، والمصابين بالعته.
أوغلت حتى القاع غير هيابة لشيء، تركت أمواج النفط المتدفقة تلطم صدرها وتمزق الجلباب، يتعرى جسمها، يتلوى مع حركة الموج، تلهث كالطفلة، تسبح، تدخل المياه صدرها فتشهق، ترتفع ذراعها وتهتز بعنف كالفرخة المذبوحة، ترقص.
هدأت العاصفة قليلا، وهدأ معها جسمها، بدأ عقلها يعمل، أجل، لم يكن لعقلها عمل سوى التفكير في الهرب، كان يمكن أن تهرب تلك اللحظة، لولا جسمها المدفون في الأرض، والرجل أيضا واقف فوق رأسها كالصقر، ورئيسها في الشركة لا يكف عن المساءلة: كم برميلا حملت؟ لماذا تأخرت عن الحضور في الموعد المحدد؟ كان هناك دفتر للحضور والانصراف، وعليها أن توقع كل يوم، حضورها وانصرافها وعدد البراميل التي تحملها. - أجل، إذا كان جسمها مدفونا في هذا المكان فلماذا لا تبدأ على الفور بالحفر؟!
عقدت عزمها في الحال على الإمساك بالإزميل، والعودة إلى البحث، لم يعد لديها هدف إلا العثور على جسدها، إن لم تعثر على الجسد بأكمله، ربما تجد عضوا أو شيئا من الرفات، وقد يحالفها الحظ فتعثر أيضا على واحدة من الإلهات، تدفق الحماس إلى جسدها على شكل انتفاضة العضلات، يدها تشد على الحزام كالموشكة على ضرب عصفورين بحجر واحد.
كانت الحرارة شديدة، نزعت الحقيبة من فوق كتفها ومعها الحزام، فكت أزرار الثوب وتخلصت تماما من ملابسها، بدا جسمها شابا أكثر شبابا مما تصورت، خطرت لها فكرة أن جسمها قد اندس بالقوة في المساحة التي تشغلها، عبثا حاولت أن تضع يدها عليه، كان هناك من يمسك يدها في يده، ربما هو الرجل، من غيره؟ كان يؤنبها لأنها لم تجهز العشاء، في الأمسيات التي لم يكن يؤنبها فيها كان يستغرق في النوم، دون أن ينطق حرفا، أو حتى ينظر إليها.
صفحه نامشخص