هابیت و فلسفه
الهوبيت والفلسفة: حين تفقد الأقزام والساحر وتضل الطريق
ژانرها
14
في مواجهته الأولى والأكثر براءة مع الخاتم، يمنحه اختفاؤه لمحة خاطفة داخل إنسانية مخلوق آخر. إن القدرة على أن يرى ولا يرى - القدرة على أن تكون، بمصطلحات إيمرسون، بريئا في مواجهة ما تواجهه - تحرره وتتيح له إظهار الرحمة بطريقة يثبت، كما يتبين من نهاية «سيد الخواتم»، أنها ضرورية لسقوط سورون.
في هذا الإطار، يكون من المزعج أن نفكر في أن صورة العين الشفافة، في «سيد الخواتم»، لا تخص هوبيت، بل تخص سورون نفسه؛ فتلك العين البشعة التي لا تطرف، والعقل المبتكر الذي استخدم الخاتم لخلق نفس جديدة أكثر قوة وقادرة على أن تحكم الأرض الوسطى بأسرها، هي كائن مجسد شرير، ولكنها أيضا رمز للخبرة، لليقين الذي يتأتى من دهور من التخطيط للوصول إلى هدف واحد.
إن سورون يتباهى بقدرته على رؤية الجميع في جميع الأوقات، وهذا يثير الرعب على مستويين؛ الأول: أنه يزعم معرفته بما تفعل. الثاني: أنه يزعم معرفة من أنت. ومعرفته بك، أو قدرته على تخمين متى تكون أكثر عرضة للتأثر بإيحاء الخاتم أو إغراء القوة، إنما تهدد بوضعك في إطار معين. إن سورون يعتمد على قدرته على إذكاء رغبتك في الثروة والقوة والسيطرة، وأسهل الأشخاص الذين يخضعون لسيطرة وإيعاز خاتمه هم أولئك الذين يشاركونه رغباته. ويستغرق الأمر بالنسبة للآخرين فترة أطول، ولكن السم يكون أكثر خبثا؛ فهو يلتهم إحساس النفس بالبراءة لدى من هم على شاكلة فرودو أو بيلبو، مستبدلا بتلك الفضيلة الطفولية رغبة سورون. وكما نرى بعد ذلك، فإن الفاجعة الكبرى التي يتحملها فرودو هي الفاجعة الداخلية التي تضع براءته في مواجهة مع إصرار الخاتم على إيقاظ المستبد الذي بداخله.
في «الهوبيت»، لا يعي بيلبو تماما القدرة الكامنة داخل الخاتم على الشر، غير أننا حين نعاود قراءة الكتاب بعد قراءة «سيد الخواتم»، يكون من الصعب ألا نراها. إن بيلبو الذي يستدرج العناكب بعيدا هو شخص كوميدي ومرح، ولكن مع اكتساب مزيد من الخبرة ب «تولكين» - مع معرفة أن بيلبو سوف يشعر يوما ما بالارتباك والانزعاج بينما يدخل العالم المعتم - من الصعب ألا نراه كما قد نرى ماري كوري؛ فعلى كل جسارته، وعلى كل قدرتها الرائعة على الابتكار، إلا أنهما يعبثان بشيء مشع؛ شيء يكلفهما ثمنا أعمق وأكثر كآبة مما يمكن أن تتحمله براءتهما. (4) العودة مجددا إلى البداية
حين اختار تولكين «ذهابا وعودة» بصفته عنوانا فرعيا لكتابه، كان يدرك بشكل شبه مؤكد أنه يحاكي الكلمة اليونانية
nostos ، التي عادة ما تترجم «العودة إلى الوطن». كان اليونانيون يرون العودة إلى الوطن سببا للاحتفال، وتأتي كلمتهم في اللغة الإنجليزية باعتبارها أصلا لكلمة
nostalgia (بمعنى الحنين)، غير أنه بوسعنا أن نرى في ذلك غموضا أكثر كآبة. بمعنى أن مشكلة الحنين أنه يحتفي بما «كان» على حساب ما هو «كائن». إنه شكل من أشكال الحزن، ثمن غالبا ما ندفعه لقاء إقدامنا على المغامرة والمجازفة من الأساس.
إن بيلبو الذي يقضي أيامه في الكتابة في منزل إلروند يغلبه الحنين، حتى إنه - وللمفارقة - لا يستطيع أن يرى، ولو بطريقة واحدة حاسمة، أنه لم يعد إلى الوطن الذي غادره. لقد غيرته خبراته، التي أبرزها عبء حمل الخاتم في العقود التي تلت مغامراته مع الأقزام. لقد جردته من الحكمة الطفولية البريئة التي أدركها فيه ثورين، البراءة التي جعلته، على الأقل خلال فترة أحداث «الهوبيت»، يتخيل أنه قد استطاع العودة.
بعد أن فرغت من قراءة «الهوبيت» مع ولدي مباشرة، بدا ابني الأكبر ريتشي يطالب بأن ننتقل إلى «سيد الخواتم». كنت سعيدا بخوض المحاولة، وتمكنا من اجتياز الطريق حتى موريا دون أن نتجاوز مشهد سقوط جاندالف ولقاء الرفقة بجالادريل، ولكن عند هذه النقطة قال ماكس - ابني الأصغر - إنه قد اكتفى، ولما ألححنا عليه لمعرفة الأسباب، قدم أسبابا متباينة، من قبيل أن القصة كانت مملة، وأنه فقد أثر الشخصيات المختلفة، وأنه خائف مما قد يعنيه موت جاندالف، وأنه أحس أنه لا يزال هناك المزيد من الأشياء المخيفة قادمة. حاولت أنا وريتشي أن نبقي على شغفه مستدرجين إياه عبر فصل أو اثنين، إلا أنه رفض الاستمرار معنا في الرحلة في النهاية.
صفحه نامشخص