هابیت و فلسفه
الهوبيت والفلسفة: حين تفقد الأقزام والساحر وتضل الطريق
ژانرها
شكر وتقدير
الجزء الأول: اكتشف الجانب المغامر داخلك
1 - الهوبيت المغامر
2 - «الطريق يمتد ويمتد إلى الأبد»
3 - أقدام ضخمة مشعرة
4 - بيلبو باجنز
الجزء الثاني: الطيب، والشرير، والملطخ بالوحل
5 - مجد بيلبو باجنز
6 - الفخر والتواضع في «الهوبيت»
7 - «خاتمي الثمين»
صفحه نامشخص
8 - حرب تولكين العادلة
9 - هراء محض
10 - الهوبيت اللاعب
الجزء الثالث: الألغاز والخواتم
11 - «سيد السحر والآلات»
12 - داخل الهوبيت
13 - الفلسفة في الظلام
الجزء الرابع: الذهاب والعودة من جديد
14 - بعض الهوبيت يملكون كل الحظ
15 - عزاء بيلبو
صفحه نامشخص
16 - الخروج من المقلاة
17 - الذهاب والعودة مجددا
المساهمون
شكر وتقدير
الجزء الأول: اكتشف الجانب المغامر داخلك
1 - الهوبيت المغامر
2 - «الطريق يمتد ويمتد إلى الأبد»
3 - أقدام ضخمة مشعرة
4 - بيلبو باجنز
الجزء الثاني: الطيب، والشرير، والملطخ بالوحل
صفحه نامشخص
5 - مجد بيلبو باجنز
6 - الفخر والتواضع في «الهوبيت»
7 - «خاتمي الثمين»
8 - حرب تولكين العادلة
9 - هراء محض
10 - الهوبيت اللاعب
الجزء الثالث: الألغاز والخواتم
11 - «سيد السحر والآلات»
12 - داخل الهوبيت
13 - الفلسفة في الظلام
صفحه نامشخص
الجزء الرابع: الذهاب والعودة من جديد
14 - بعض الهوبيت يملكون كل الحظ
15 - عزاء بيلبو
16 - الخروج من المقلاة
17 - الذهاب والعودة مجددا
المساهمون
الهوبيت والفلسفة
الهوبيت والفلسفة
حين تفقد
الأقزام والساحر وتضل الطريق
صفحه نامشخص
تحرير
جريجوري باشام وإريك برونسون
ترجمة
شيماء طه الريدي
إلى أقزامنا؛ ديلان، وآشر، وماكس:
أحباءنا، فليكن طريقكم أخضر ذهبيا.
شكر وتقدير
شكرا جزيلا
لقد حالفنا قدر وافر من الحظ أثناء تجميع هذا الكتاب تجاوز القدر المعهود لأي شخص آخر. خالص تقديرنا لمساهمينا الذين عانوا معنا طويلا لما أبدوه من صبر في تحمل محررين عابسي الوجه والصوت؛ شكرا لكوني ستانتستبان، وهوب بريمان، والرفاق الخلوقين الآخرين بمؤسسة وايلي الذين اعتنوا بالكتاب حتى وصوله مرحلة النشر؛ شكرا لمحررة النسخة جوديث أنتونيلي لما قامت به من إخفاء لآثار خطواتنا عبر الغابة المظلمة السحيقة. وكعهدنا بكل مشروعاتنا التعاونية السابقة بدأت هذه الرفقة باجتماع على كئوس الجعة والغليون مع محرر السلسلة بل إروين، ونحن نمتن امتنانا خاصا لبل لتشجيعه مغامرتنا في التحرير المشترك، لا لكتاب واحد، بل لكتابين في مجال الثقافة الشعبية عن تولكين والفلسفة. وعاصفتان من الشكر لكل من مادلين وليندسي كارب وطلاب جريج في دورته الدراسية عن الإيمان والخيال والفلسفة في كلية الملك.
ولكن الفضل الأكبر ندين به لزوجتينا الرقيقتين؛ أرين وميا، وأقزامنا الصغار؛ ديلان، وآشر، وماكس، الذين نهدي لهم هذا الكتاب. قليلة هي المتع الدنيوية التي يمكنها أن تعادل متعة قراءة حكايات تولكين عن الأرض الوسطى لأطفالك ورؤية تلك الشمعة الوهاجة تنتقل من عقل لآخر، مثل منارات جوندور.
صفحه نامشخص
مقدمة
إياك أن تسخر من الفلاسفة الأحياء
بقلم جريجوري باشام و إريك برونسون
في حفرة في الأرض هناك عاش رجل شهد حياة هادئة بلا صخب في مجتمع كان يولي تقديرا عظيما للتوافق والاحترام. ولكنه ترك حفرته في أحد الأيام وانطلق في رحلة عبر البحار. وبقدر ما كانت مغامرته مخيفة وفي بعض الأحيان مؤلمة، فقد غيرته للأبد؛ فتفتحت عيناه، ونضج عقله وشخصيته. وعندما عاد إلى حفرته، اعتبره جيرانه «مختلا عقليا»؛ إذ لم يستطيعوا تقبل فكرة أن في الحياة ما هو أكثر من النظام والروتين المعتاد المتوقع. وعلى الرغم مما طال سمعته، فلم يراوده أي شعور بالندم لخوضه تلك المغامرة التي مكنته من اكتشافه ذاته الحقيقية واختبار عالم جديد مثير.
إذا بدا ذلك لك مألوفا، فلا بد أن تكون كذلك؛ فتلك هي «قصة الكهف» لأفلاطون (حوالي 428-348ق.م)، التي قد تعد أشهر قصة من قصص الذهاب والعودة مجددا رويت على الإطلاق. إن قصة أفلاطون ليست عن الهوبيت أو السحرة بالطبع، بل هي حكاية رمزية عن رجل ظل منذ ولد مصفدا في سجن تحت الأرض، ثم يخرج في مغامرة ليكتشف أن العالم أكبر بكثير، وأكثر ثراء وجمالا بكثير مما كان يتخيل. كان أفلاطون يأمل أن يتعلم القراء بعض الدروس من القصة، على غرار: كن مغامرا، اخرج من منطقة راحتك، اعترف بمواطن قصورك وكن منفتحا على الأفكار الجديدة والحقائق الأسمى. فما من طريق سوى مواجهة التحديات والمجازفة يمكننا من خلاله أن ننمو ونكتشف ما نحن قادرون على أن نصير إليه. وهذه الدروس هي نفسها الدروس التي يلقنها جيه آر آر تولكين في روايته «الهوبيت».
تثير رواية «الهوبيت»، التي تعد واحدة من أحب الكتب إلى الأطفال على مر الزمان والجزء الرائع السابق لرواية «سيد الخواتم»؛ مجموعة من الأسئلة المتعمقة للتأمل فيها وتدبرها. هل المغامرات مجرد «أشياء قميئة ومزعجة وغير مريحة» من شأنها أن «تجعلك تتأخر عن موعد العشاء» كما يصفها بيلبو، أم من الممكن أن تكون تجربة مثيرة من شأنها أن تغير حياة الإنسان؟ هل ينبغي إعلاء قيمة الطعام والمرح والغناء على الذهب المكتنز؟ هل كانت الحياة أفضل حالا في عصور ما قبل الصناعة حين كان هناك «القليل من الضوضاء والمزيد من الخضرة»؟ هل بإمكاننا الوثوق في أن لدى الناس «رقة كرقة النساء» بما يؤهلهم لاستخدام التقنيات القوية بشكل مسئول، أم يجب تنظيم هذه التقنيات بدقة وعناية أو تدميرها؛ خشية أن تقع في أيدي الغيلان وخدم الساحر الأسود؟
ما الواجبات التي تقع على عاتق الأصدقاء أحدهم تجاه الآخر؟ هل ينبغي أن تمتد آفاق الرحمة لتظل بظلالها حتى أولئك الذين يستحقون الموت؟ هل كان حجر الأركنستون حقا ملكا لبيلبو كي يهبه؟ كيف كان يجب توزيع كنز سموج؟ هل ترك ثورين «قيثارته الذهبية الجميلة» في باج إند حين خرج قاصدا البرية؟ إذا كان الأمر كذلك، فكم يمكننا أن نحصل عليه مقابلا لها على موقع إي باي؟ ومن ردهات منزل إلروند التي تملأ جنباتها السعادة إلى جزيرة جولوم الصخرية اللزجة، تطرح أسئلة فلسفية عظيمة على المعجبين القدامى والقراء الجدد.
كان تولكين أستاذا للغة الإنجليزية القديمة في العصور الوسطى بجامعة أكسفورد، وليس فيلسوفا متخصصا. ولكن مثلما توضح كتب حديثة مثل كتاب «فلسفة تولكين» لبيتر كريفتس، وكتاب «الدفاع عن الأرض الوسطى» لباتريك كاري، وكتابنا «سيد الخواتم والفلسفة»، كان تولكين دارسا عميق الاطلاع خلف تأثيرا قويا على الأسئلة الكبرى. ويقال إنه بينما كانت اختبارات التقدير الدراسي تسير على قدم وساق بشكل مرهق في أحد أيام الصيف الرائعة، فإذا بأستاذ أكسفورد يعثر على ورقة فارغة. بعد استغراق تام في الأفكار لبعض الوقت، التقط تولكين قلمه، كما يزعم، وكتب افتتاحيته الشهيرة: «في حفرة في الأرض هناك كان يعيش هوبيت.»
يعود بيتر جاكسون إلى كرسي المخرج من أجل رواية «الهوبيت» (2012)، بعد حصوله على جائزة الأوسكار عن إخراجه الرائع للأجزاء الثلاثة لفيلم «سيد الخواتم» (2001-2003)، وكم نتمنى ألا يفتر اهتمامه بهذه السلسلة. قد تكون قصة الهوبيت صغيرة، إلا أن جاكسون وشركة الإنتاج نيو لاين سينما لهما تفكير طموح؛ ما يدفعهما إلى توسيع القصة إلى فيلمين، مستعينين بمجموعة كبيرة من طاقم العمل في سلسلة أفلام «سيد الخواتم»، والتصوير بتقنية الأبعاد الثلاثية. وبعد عقد مظلم ومليء بالصراعات، أصبح بإمكان جماهير الأرض الوسطى أخيرا مشاهدة أحدث أجزاء جاكسون من كبرى الملاحم الخيالية في عصرنا.
في هذا الكتاب، يشارك فريقنا من الفلاسفة حماس تولكين للأسئلة الفلسفية «العتيدة القدم»، ولكننا أيضا نحتفظ لأنفسنا بحق طرح قضايا جديدة وخوض غمار مغامرات جديدة. فهذا الكتاب، فوق كل شيء، كتب «من أجل» جماهير تولكين «بأقلام» جماهير تولكين. وعلى غرار الكتب الأخرى في سلسلة فلسفة بلاكويل والثقافة الشعبية، يسعى الكتاب إلى استخدام الثقافة الشعبية باعتبارها وسيلة لتدريس ونشر أفكار كبار المفكرين.
صفحه نامشخص
تبحث بعض الفصول فلسفة رواية «الهوبيت» - القيم الأساسية والافتراضات الكبرى التي تقدم الخلفية الأخلاقية والمفاهيمية للقصة - والبعض الآخر يستعين بأفكار وموضوعات من الكتاب لتوضيح أفكار فلسفية عديدة. ومن هذا المنطلق، نأمل أن نبحث بعضا من الأسئلة الأكثر عمقا التي وردت في رواية «الهوبيت»، وكذلك تدريس بعض الأفكار الفلسفية القوية على حد سواء.
وفيما يشبه الهوبيت إلى حد كبير، يمتلك المؤلفون «ذخيرة من الحكمة والأقوال الحكيمة لم يسمع بها بشر على الإطلاق، أو دخلت طي النسيان منذ أمد طويل». لذا املأ غليونك بنوعك المفضل من تبغ أولد توبي، وأحضر تلك الزجاجة الخاصة من نبيذ أولد وينيارد التي كنت تدخرها؛ فإنها ستكون مغامرة بحق.
الجزء
اكتشف الجانب المغامر داخلك
الفصل الأول
الهوبيت المغامر
جريجوري باشام
كما أن الجوهرة لا تصقل من دون احتكاك؛ فإن خبرة المرء لا تصقل من دون تجارب.
كونفوشيوس «الهوبيت» هي قصة مغامرة، وهي أيضا قصة نمو شخصي. في بداية القصة يظهر بيلبو؛ الهوبيت التقليدي المفتقر لروح المغامرة والمحب للراحة . تتواصل أحداث القصة ليتطور ويكتسب الشجاعة، والحكمة، والثقة بالنفس. وفي هذا المقام تتشابه رواية «الهوبيت» مع «سيد الخواتم»؛ فكلتاهما حكاية تدور حول ما يحظى به المتواضعون
1
صفحه نامشخص
من تشريف وتعظيم، حسبما يخبرنا جيه آر آر تولكين. وكلتاهما قصة عن أشخاص عاديين - صغار في أعين «الحكماء» والأقوياء - يحققون أشياء عظيمة ويبلغون منزلة البطولة من خلال قبولهم التحديات، وتحمل الصعاب، والاعتماد على مواطن القوة المجهولة للشخصية والإرادة.
ما الصلة التي تربط بين الروح المغامرة والنمو الشخصي؟ كيف يمكن للتحديات والمخاطرة - الاستعداد لمغادرة كهوف الهوبيت الخاصة بنا بما فيها من أمن وراحة - أن تجعلنا أشخاصا أكثر قوة، وسعادة، وثقة بالنفس؟ لنر معا ما يمكن لبيلبو والمفكرين العظماء أن يعلموه إيانا عن النمو والإمكانات البشرية الكامنة. (1) تطور هوبيت
لا يعتبر الهوبيت بشكل عام قوما مغامرين بطبيعتهم، بل على العكس تماما؛ فالهوبيت «محبون للسلام والهدوء والأرض الجيدة المحروثة»، ولم يكونوا يوما محاربين لغيرهم أو متحاربين فيما بينهم، ويجدون سعادة جمة في المتع البسيطة كالطعام، والشراب، والتدخين، والاستمتاع بالتجمعات، ونادرا ما يرتحلون، ويعتبرون أي هوبيت له مغامرات أو يفعل أي شيء خارج عن نطاق المألوف؛ «غريب الأطوار».
2
في هذا المقام يعتبر بيلبو هوبيت غير عادي. كانت والدته، بيلادونا توك الشهيرة، تنتمي إلى عشيرة توك، التي لم تكن من العشائر الثرية فحسب، بل كانت تشتهر أيضا بحب أفرادها للمغامرات. وأشيع عن أحد أعمام بيلبو، وهو إيزنجار، أنه قد «ذهب إلى البحر» في شبابه، وأن عمه الآخر هيلديفونز قد «انطلق في رحلة ولم يعد».
3
كان جد بيلبو البعيد بادوبراس «بالرورار» توك مشهورا في المعرفة التقليدية للهوبيت بقطعه رأس أحد ملوك الجوبلن بواسطة هراوة؛ فتدحرج الرأس عبر حفرة أرنب، وهكذا فاز بالرورار في نفس الوقت بمعركة الحقول الخضراء واخترع لعبة الجولف.
4
في المقابل، كان الباجنز - وهم عائلة بيلبو من ناحية الأب - من الهوبيت الذين يحظون باحترام بالغ؛ إذ كانوا لا يفعلون أي شيء غير متوقع أو ينطوي على مغامرة. وكان الصراع بين هذين الجانبين في تكوين بيلبو كثيرا ما يظهر في رواية «الهوبيت».
لاحظ جاندالف الجانب المغامر في شخصية بيلبو الذي توارثه عن التوك حين زاره في شاير في عام 2941، أي قبل عشرين عاما من الأحداث الواردة في رواية «الهوبيت». وأبهر بيلبو الصغير جاندالف ب «حماسه، وعينيه البراقتين، وحبه للحكايات، وتساؤلاته عن العالم الرحيب».
صفحه نامشخص
5
حين عاد جاندالف إلى شاير بعد ذلك بعقدين، وجد بيلبو «وقد صار جشعا وبدينا»، إلا أنه سعد حين سمع أن بيلبو لا يزال يعتبر «غريب الأطوار»؛ لما يقوم به من أشياء غريبة مثل الانطلاق لأيام بمفرده والحديث مع الأقزام.
6
وحين ألقى بيلبو تحية الصباح على جاندالف واستنكر المغامرات باعتبارها «أشياء قميئة ومزعجة وغير مريحة» من شأنها أن «تجعلك تتأخر عن موعد العشاء»، أدرك جاندالف أن الجانب الموروث من الباجنز في شخصية بيلبو ينتصر.
7
غير أن الروح المغامرة الداخلية لدى بيلبو تنبعث شعلتها من جديد من خلال أغنية الأقزام عن الكنز، وإشارة جلوين المهينة له بأنه «ذلك الشخص القليل الحجم الذي يقفز ويلهث على السجادة»؛
8
فيوافق بيلبو على مضض على الانضمام لرحلة الأقزام، ويجد نفسه في مغامرة يتبين له أنها أيضا رحلة بحث عن ذاته الحقيقية. يدرك بيلبو في مرحلة مبكرة للغاية من رحلته المحفوفة بالمخاطر أن «المغامرات لا تقتصر جميعها على ركوب الخيل تحت شمس مايو المشرقة»؛
9
فقد كان دوما خائفا ومتكلا وغالبا ما يفكر بشكل يغلب عليه الندم في حفرة الهوبيت المريحة خاصته مع بدء المرجل في الصفير.
صفحه نامشخص
في مواقف عديدة ينجو من الموت بمحض الحظ، ولكن بالتدريج تنمو ثقته بنفسه وشجاعته؛ فاستطاع بمفرده ودون مساعدة أن يخدع جولوم، ويهرب من كهف الجوبلن، ويحرر رفاقه من كل من عناكب ميركوود وقلعة ملك الجان. وحين تصل الرفقة إلى الجبل الوحيد، يكون بيلبو هو من يكتشف كيفية فتح الباب السري، والوحيد الذي لديه الشجاعة للسير عبر النفق المظلم لمواجهة التنين المرعب. وعن ذلك يقال لنا «إنه بالفعل كان هوبيت مختلفا للغاية عن ذلك الذي هرب دون منديل جيب من باج إند منذ زمن طويل.»
10
كان قراره بمواصلة المسير عبر النفق حين سمع أصوات التنين الهادرة «أشجع شيء أقدم عليه على الإطلاق».
11
وحين يعود بيلبو بفنجان ذي يدين سرقه من مخزن كنوز التنين، يعترف به بوصفه «البطل الحقيقي» لرحلة الأقزام.
12
وفيما بعد، حين يجازف بيلبو بحياته ويتخلى في إيثار عن حجر الأركنستون في محاولة منه لمنع حرب بين الأشقاء على ذهب التنين، يثني عليه ملك الجان واصفا إياه بأنه: «أجدر بارتداء درع أمراء الجان من كثيرين آخرين بدوا أكثر لياقة ووسامة فيه.» ويشيد به لاحقا فيصفه ب «بيلبو الرائع».
13
بعد معركة الجيوش الخمسة، يدرك ثورين أوكينشيلد وهو يحتضر نمو بيلبو على الجانب الأخلاقي، مشيرا له إلى ذلك قائلا: «لديك من الخير أكثر مما تعرف، أيها الابن الطيب للغرب. فأنت قدر من الشجاعة وقدر من الحكمة امتزجا معا بدرجة ما.»
14
صفحه نامشخص
وحين ينظم بيلبو عند عودته إلى شاير قصيدة عن العودة الجميلة الممزوجة بالألم للوطن، يصيح جاندالف في دهشة: «عزيزي بيلبو! ثمة خطب بك! أنت لست الهوبيت الذي كنت عليه من قبل.»
15
باختصار، «الهوبيت» هي قصة من قصص المغامرات يرتفع فيها شخص عادي مجرد بشكل واضح من أي ملمح من ملامح البطولة إلى مقام النبل الأخلاقي، من خلال مواجهة التحديات والمخاطر والتغلب عليها. ولكن كيف يكون تحول كهذا ممكنا؟ لنستعرض معا بعضا مما قاله أعظم فلاسفة العالم عن العلاقة بين التحدي والنمو الشخصي. (2) نمو بيلبو على صعيد الحكمة
على الرجال أن يكتسبوا الحكمة بترويض المحن.
إسخيلوس
بإمكان البشر النمو على أصعدة عدة: بدنيا، وعاطفيا، وروحيا، وفنيا، وما إلى ذلك. لقد نما ميري وبيبين بدنيا - إذ أصبحا أكثر طولا بعدة إنشات - بعد احتساء ماء الإنتس في غابة فانجورن، ولكننا في حالة بيلبو نتحدث عن نمو أخلاقي وفكري. بالمصطلحات الفلسفية التقليدية، ينمو بيلبو على صعيد «الحكمة» و«الفضيلة» نتيجة لمغامراته التي خاضها. ومصطلح «فلسفة» مشتق من جذور يونانية تعني «حب الحكمة»؛ لذا فلكي نساعد أنفسنا في إيجاد اتجاهنا، لنبدأ بالتساؤل: ما الحكمة؟
لا تملك كل التقاليد الدينية والفلسفية طريقة واحدة لإدراك الحكمة . فلن يكون تعريف البوذي الذي يعتنق فلسفة الزن للحكمة هو نفسه التعريف الذي يقدمه هندوسي أو معمداني جنوبي. ولكن لا ينبغي أن يعترينا الإحباط بفعل اختلافات نظرية بعينها؛ فجميع التقاليد الفلسفية والدينية تقريبا تتفق على أن الحكمة - أيا كان تعريفها تحديدا - تتألف من بصيرة عميقة عن الحياة والعيش.
16
فالحكيم يدرك ما هو مهم في الحياة، ويضع الأمور الأقل أهمية في نصابها الصحيح، ويدرك ما هو مطلوب من أجل الحياة على نحو جيد والتعامل مع مشكلات الحياة.
17
صفحه نامشخص
وتأتي الحكمة في درجات؛ فجاندالف أكثر حكمة من إلروند، وإلروند أكثر حكمة من بارد. ولكن أيا كان تعريفنا للحكمة بالضبط، فمن الواضح أن بيلبو قد صار أكثر حكمة في نهاية «الهوبيت» مما كان عليه في البداية. كيف حدث هذا؟
لاحظ الفلاسفة صعيدين مهمين يمكن للخبرات والتجارب الصعبة من خلالهما أن تجعلنا أكثر حكمة؛ فبإمكانها أن «تعمق فهمنا الذاتي»، وبإمكانها أن «توسع خبراتنا». وبمقدورنا أن نرى كلا العاملين بشكل عملي مع بيلبو.
قال سقراط (حوالي 470-399ق.م) إن أول خطوة نحو اكتساب الحكمة هي أن تدرك مدى قلة معرفتك ومحدوديتها؛ فكان شعاره «اعرف نفسك.» كان سقراط يرى أن الناس يميلون إلى تكوين رؤى مضخمة عن أنفسهم؛ فهم يميلون للثقة الزائدة بأنفسهم والتوهم بأنهم يعرفون أكثر مما يعرفون بالفعل، أو أنهم أفضل بشكل ما مما هم عليه في الحقيقة. والأشخاص الذين يظنون بأنفسهم الحكمة والصلاح بالفعل لن يكون هناك ما يحفزهم للسعي نحو الحكمة والصلاح؛ لذا أعلن سقراط أن أول وأهم خطوة نحو اكتساب الحكمة هي الانخراط في فحص شجاع للذات.
لا بد دائما أن نطرح على أنفسنا الأسئلة التالية: هل أعرف هذا حقا، أم أنني أظن فقط أنني أعرفه؟ هل من الممكن أن أكون على خطأ؟ هل من الممكن أن أكون متهما بالتفكير الرغبي؟ هل أحيا الحياة التي أرغب في أن أحياها؟ هل أفعل ما أقول؟ ما مواهبي وقدراتي الحقيقية؟ كيف يمكنني أن أعيش على نحو هادف وصادق إلى أقصى حد؟ بهذه الطريقة فقط يمكننا التخلص نهائيا من خداعاتنا، واكتشاف إمكاناتنا الكامنة الحقيقية، وإدراك مكمن أعظم مواهبنا وفرصنا.
أوضح المفكرون الفلسفيون والدينيون منذ زمن بعيد كيف أن نوعا بعينه من الخبرات الصعبة والألم والمعاناة يمكنه أن يعمق إدراك المرء لذاته. فقال سي إس لويس (1898-1963) إن الألم يمكنه أن يكبح كبرياءنا، ويعلمنا الصبر، ويقوينا في مواجهة المحن، ويعلمنا ألا نأخذ نعم الحياة على أنها أمر مسلم به، ويذكرنا بأننا قد «خلقنا من أجل عالم آخر.»
18
وأشار إلى أن الألم هو «بوق» الله «لإيقاظ عالم أصم».
19
ويقول الفيلسوف الروماني سينيكا (حوالي 4ق.م-65 بعد الميلاد) إن موقف الله تجاه البشر هو موقف أب صارم ولكنه محب لأبنائه: «دعهم يرهقوا بالكدح والحزن والخسائر ... عسى أن يكتسبوا القوة الحقيقية ... فالرب يقوي ويصقل أولئك الذين يرضى عنهم ويحبهم.»
20
صفحه نامشخص
في «الهوبيت» نرى بيلبو ينمو ببطء في إدراكه لذاته. فمع بداية القصة، يستجيب لتنبؤات ثورين بالمخاطر بالصراخ؛ مثل «محرك قادم من أحد الأنفاق»، و«الجثو على بساط المدفأة مرتعدا مثل هلام يذوب».
21
وفي رحلته إلى الجبل الوحيد، يواجه الكثير من المخاطر ويعاني معاناة بالغة من البرد، والجوع، وقلة النوم، والخوف، والتعب. وبالتدريج تنمو ثقته بذاته ويكتشف مواطن قوته الخفية، التي من ضمنها موهبة لم تكتشف من قبل في القيادة.
يبلغ بيلبو فهما أعمق للجانبين المتصارعين من تكوينه، ويدرك أنه يريد من الحياة ما هو أكثر من مجرد الراحة، وأوراق تبغ جيدة، وقبو مليء بالمؤن الوفيرة، وست وجبات يوميا. في الوقت ذاته، لا يبالغ في تقدير قيمة ذاته وتساوره أوهام العظمة. وبعد كل مغامراته وأفعاله البطولية، يظل يفكر في نفسه - بشكل يملؤه الامتنان - بوصفه «مجرد شخص ضئيل للغاية في عالم رحيب».
22
ثمة صعيد آخر يصبح عليه بيلبو أكثر حكمة؛ إذ تفتح عيناه بفعل السفر والترحال ومواجهة مجموعة أوسع من الخبرات. ويشير الفيلسوف توم موريس إلى أن أخذ دورة في الفلسفة يمكن أن يكون أشبه بخبرة ليس لها حدود بالنسبة للعقل؛ فطلاب الفلسفة يجدون أنفسهم في مغامرة فكرية يعمل فيها الفلاسفة بمثابة مرشدين محليين؛ صناع خرائط للروح يمكنهم توسيع آفاقهم، ويرشدونهم إلى آفاق مثيرة، ويوسعون خيالهم، ويحذرونهم من المآزق والأزمات المحتملة، ويعلمونهم المهارات الأساسية للبقاء الوجودي.
23
ولاحظ العديد من الكتاب أن السفر والمغامرة يمكن أيضا أن يكون لهما نتائج تتعلق بتغيير الإطار وتغيير الحياة.
إن الهوبيت القاطنين في شاير منعزلون ومحليون؛ فهم لا يعرفون عن عالم الأرض الوسطى الأرحب ولا يهتمون به إلا قليلا. في البداية كان بيلبو - برغم كونه أكثر ميلا للمغامرة من معظم الهوبيت - يشارك رفاقه العديد من رؤاهم المحدودة والمقيدة.
24
صفحه نامشخص
فشأن كل أصدقائه وجيرانه من الهوبيت، تراه يولي قيمة كبيرة للاحترام، والروتين، والراحة، والمتع الجسدية البسيطة المتمثلة في المأكل، والمشرب، والتدخين.
في أثناء مغامراته، يدرك بيلبو أن في الحياة هموما أكثر جسامة وقيما أعلى؛ فهو يختبر قيم البطولة، والتضحية بالنفس، والحكمة القديمة، والجمال الباهر. ومثل طاقم المركبة الفضائية «إنتربرايز»، يواجه «عوالم جديدة وحضارات جديدة»، ويرى مناظر رائعة غير عادية، ويلتقي أناسا لهم منظومة قيم وطرائق للحياة مختلفة تمام الاختلاف. وحين يعود إلى شاير، يصير قادرا على رؤيتها بأعين جديدة ويصبح أقدر على تقدير مواطن قصورها ومواطن سحرها الفريدة على حد سواء.
في النهاية، يجد نفسه قد «فقد احترام جيرانه»، لكنه فاز بقيمة أعلى كثيرا.
25
ومع بلوغ الصفحات الأخيرة من رواية «الهوبيت»، نجد بيلبو القانع ذا الأفق العالمي «يكتب الشعر ويزور الجن».
26
فلم يعد بحق الهوبيت الذي كان عليه من قبل؛ فقد جعلته مغامراته أكثر حكمة. (3) نمو بيلبو على صعيد الفضيلة
في كثير من الأحيان تقف الراحة عقبة في طريق الحدس الداخلي.
لانس أرمسترونج
غير أن بيلبو لا ينمو فكريا فقط، بل يصبح أيضا شخصا أكثر عفة أو خلقا؛ فمن خلال مغامراته يكتسب مزيدا من الشجاعة وسعة الحيلة والصلابة، ويصير أقل اتكالا على الآخرين، وأكثر تحكما في نفسه. وفي قراراته بإنقاذ حياة جولوم واستبدال المفاتيح في حزام الجني الحارس الغافي إيحاء بأنه قد صار أكثر شفقة ورحمة.
صفحه نامشخص
27
واختياره التخلي عن حجر الأركنستون الثمين في محاولة للتوسط لإحلال السلام، ورفضه الحصول على أكثر من صندوقين صغيرين من الكنز وهو عائد إلى وطنه (قام بتوزيع ما فيهما فيما بعد)، وتبرعه بقميص «الميثريل» المدرع للمتحف في ميشيل ديلفينج؛ إنما يدل على أن بيلبو «الجشع» قد صار أكثر سخاء وأقل مادية.
28
وقد لاحظ الفلاسفة طريقتين يمكن من خلالهما أن تعزز المغامرات الصعبة التطور الأخلاقي؛ إحداهما فورية، والأخرى تدريجية.
في بعض الأحيان يمكن للتحولات الأخلاقية الكبيرة أن تحدث بشكل سريع، بل فوري. وغالبا ما تحدث تلك التغيرات الأخلاقية الكبرى حين يقع في حياتنا شيء صادم أو مؤلم. ففي حال وفاة أحد الأحباء، أو التعرض لحادث كاد يقضي علينا، أو المرور بظروف اجتماعية متدنية؛ تجدنا نعيد تقييم حياتنا ونعزم أمرنا على التغيير. وفي كثير من الحالات، كما لاحظ الفيلسوف الأمريكي ويليام جيمس (1842-1910) في رائعته الكلاسيكية «أصناف من الخبرة الدينية»، يكون لمثل هذه التحولات دافع ديني. ففي ليلة عيد الميلاد، كان إبينزر سكروج عجوزا بخيلا يتسم بالطبع الحاد والدناءة، لكنه تحول في يوم عيد الميلاد إلى نفس يملؤها السخاء والمرح الجميل. ولكن التغيرات الأخلاقية المفاجئة والجذرية لا تحتاج لدافع ديني.
تعتبر التجديدات الأخلاقية نادرة في كتابات تولكين، إلا أن هناك بعض الأمثلة البارزة بها؛ فنجد بيبين يمر بأحد هذه التغييرات بعد مواجهة مريعة مع سورون حين حدق النظر بحماقة في حجر الرؤية ببرج أورثانك.
29
قبل هذه التجربة وقبل توبيخ جاندالف العنيف، كان مستهترا وغير ناضج، ودائما ما يعرض الرفقة للخطر باستهتاره، ولكنه بعد ذلك يتغير جذريا، فيعرض خدماته على دينثور، ويعمل في برج الحراسة الخاص بجولوم، وينقذ حياة فارامير، ويقوم بذبح أحد العمالقة في معركة مورانون، ويلعب دورا رئيسا في تطهير شاير، وفيما بعد يعمل لمدة خمسة عشر عاما قائدا لشاير.
يعتبر التحول الذي حدث لثورين على فراش الموت وتصالحه مع بيلبو مثالا آخر للتحول المفاجئ على طريقة سموج (ما كان إيذانا بتوبة بورومير قبيل وفاته في «رفقة الخاتم»). على مدار أحداث «الهوبيت» يجسد ثورين بوصفه شخصا متعجرفا وجشعا ومغرورا، وبعد أن يستولي على الكنز، يزداد غرور وطمع ثورين، ويكاد يشعل حربا بلا داع بين الشعوب الحرة التي يجب أن تكون متحدة معا. يتميز الأقزام بطبيعتهم بأنهم «قوم انتهازيون لديهم فكرة كبيرة عن قيمة المال».
30
صفحه نامشخص
بالإضافة إلى ذلك، يعاني ثورين من «داء التنين»، وهو رغبة مفسدة في امتلاك كل شيء تصيب كل من يلمس كنزا رقد عليه التنين لفترة طويلة.
31
لكن حتى ثورين، عندما يرقد على فراشه محتضرا، يدرك أن «العالم سيكون أكثر بهجة ... لو أعلى المزيد منا قيمة الطعام والمرح والغناء على اكتناز الذهب».
32
يمكن أن تحدث تحولات أخلاقية مفاجئة، ولكنها نادرة وغالبا لا تستمر طويلا. ثمة طريق أكثر شيوعا واستدامة للنمو الأخلاقي يتمثل في «العادة» و«التدريب». فالفضيلة - مثلما أشار أرسطو (384-322ق.م) - عادة؛ نمط متأصل وثابت من الاستجابة الأخلاقية. فالشخص يكون شجاعا بحق، على سبيل المثال، فقط إذا كان لديه نزعة أو ميل ثابت للتصرف بجرأة وإقدام دعما للقيم المهمة، ولو على حساب مجازفة شخصية كبيرة.
33
وعلى مدار التاريخ كان بناء الشخصيات من خلال تكوين العادات هو الوسيلة القياسية المتعارف عليها للتوعية الأخلاقية.
ويقدم الرياضيون نموذجا يوضح كيف يسير ذلك. هب أنك ترغب في أن تصبح عداء عالميا للمسافات الطويلة؛ فما من طريقة لتحقيق ذلك إلا بالألم والعرق والعزيمة القوية. وللعدائين العظماء عادات عظيمة في العمل؛ فهم لا يولدون ولديهم عادات المثابرة، والالتزام، والانضباط الذاتي، والمرونة؛ بل يجتهدون لبلوغها. وهذا ما دفع الفيلسوف والطبيب جورج شيهان ليتحدث عن العدو باعتباره «طريقا للنضج، طريقا لعملية نمو».
34
ونحن نسعى للتفوق والتميز من خلال تكوين عادات جيدة واختبار حدودنا.
صفحه نامشخص
كانت نظرية أرسطو العظيمة تتمثل في إدراك أن التطور الأخلاقي عادة ما يحدث بالطريقة نفسها؛ فلكي ننمي فضيلة الانضباط الذاتي، لا تكفي الرغبة في أن تكون منضبطا ذاتيا، بل ينبغي أن نعمل عليها بتنمية عادات طيبة. وكما يقول مدرب كرة السلة الأسطوري ريك بيتينو: «العادات الجيدة تصنع النظام والانضباط في حياتنا ... وتصبح الصخرة؛ السلوك القياسي الذي يجب أن نتشبث به حتى لا نحيد عن المسار.»
35
يمكننا أن نرى عملية تكوين العادات الأخلاقية هذه في رواية «الهوبيت». فالتطور الأخلاقي لبيلبو يحدث تدريجيا مع تعلمه أشياء جديدة، فيجد نفسه يمر باختبارات، ويزداد ثقة بنفسه، وينمي عادات فاضلة. ومع اعتياد بيلبو على البرد والجوع والبلل، يقل تذمره ويصبح أكثر صلابة. ومع تدني معنويات رفاقه واستمرار حسن حظه اللافت، يصبح أكثر تشجيعا وأملا، بل يقتبس مقولة الفيلسوف الروماني سينيكا «أينما وجدت الحياة وجد الأمل» قبل أن يكون لسينيكا وجود!
36
ومع تكرار استجابة بيلبو للمواقف الخطرة ببسالة وفاعلية، تنمو ثقته بنفسه وينمي لديه عادة التصرف بشجاعة. وعندما يجد نفسه مجبرا بلا أدنى اختيار على أخذ زمام المبادرة، يصبح أكثر ارتياحا في دور القيادة وينمي عادة القيادة الخدمية. وعندما يعود إلى شاير، و«يرى النار والسيف اللذين طالما رآهما/والرعب بين الردهات الحجرية/وتقع عيناه أخيرا على المروج الخضراء/والأشجار والتلال التي لطالما عرفها»، يتعلم الامتنان والشكر الحقيقي للنعم البسيطة.
37
لقد تغير بيلبو بفضل مغامراته، وهذه التغيرات - كما نعلم في «سيد الخواتم» - كانت دائمة. يوجد مشهد مؤثر في الكتاب الأول من الرواية بعنوان «رفقة الخاتم» يتطوع فيه بيلبو، بعد أن يبلغ من العمر أرذله، لمحاولة تدمير خاتم القوة. وفي ريفيندل، حيث تقاعد بيلبو، يدعو إلروند لعقد مجلس لتقرير ما يفعلونه بالخاتم، فيقرر المجلس ضرورة حمل الخاتم إلى قلب موردور وإلقائه في نيران جبل ماونت دوم، حيث تم صنعه. وحين يلاحظ إلروند أن مهمة انتحارية كهذه «قد يقدم عليها الضعفاء الذين يحملون بداخلهم الأمل شأنهم شأن الأقوياء»، يتحدث بيلبو قائلا:
رائع، رائع يا سيد إلروند ... لا تقل المزيد! فما ترمي إليه شديد الوضوح. لقد بدأ بيلبو الهوبيت السخيف هذه القضية، ومن الأفضل أن ينهيها بيلبو، أو يقضي على نفسه. لقد كنت في غاية الراحة هنا، ومنسجما مع كتابي ... يا لها من ضوضاء مخيفة! متى ينبغي أن أبدأ؟!
حين سمع بهذا بورومير المحارب القوي القادم من جوندور، «بدا مندهشا من بيلبو، ولكن ماتت الضحكة على شفتيه حين رأى الآخرين ينظرون إلى الهوبيت العجوز باحترام وإجلال. وحده جلوين من كان يبتسم، ولكنها كانت ابتسامة منبعها ذكريات قديمة».
38
صفحه نامشخص
في النهاية اختار بيلبو الطريق الأقل ارتيادا؛ طريق المغامرة، وكان هذا ما صنع كل الفارق، بالنسبة لبيلبو والأرض الوسطى بأسرها. ربما ظن رفاقه من الهوبيت أنه قد فقد صوابه، لكن بيلبو - حتى آخر أيام حياته، التي كانت «في غاية السعادة» و«طويلة بشكل غير عادي» - كان يتفق مع تيودور روزفلت في قوله:
خير لك كثيرا أن تقدم على أمور عظام وتحصد انتصارات مجيدة، حتى لو مررت بإخفاقات، من أن تصنف ضمن تلك الأرواح الهزيلة التي لم تستمتع كثيرا ولم تعان كثيرا؛ لأنها تعيش في المنطقة الرمادية التي لا تعرف انتصارا ولا هزيمة ... إن أسمى أشكال النجاح ... لا يأتي لمن يرغب وحسب في السلام السهل، بل يأتي لمن لا يتراجع في وجه الخطر، أو المشقة، أو الكدح المرير، الذي يحصد الانتصار المطلق الجليل من وسط هذه الأشياء.
39
إن الطريق يمتد ويمتد؛ لذا التقط عصا المشي المفضلة لديك وانطلق نحو المغامرة. ولا تعرق إذا تركت مناديل الجيب خاصتك في المنزل.
هوامش
الفصل الثاني
«الطريق يمتد ويمتد إلى الأبد»
الطاو لدى الهوبيت
مايكل سي برانيجان
كن تجسيدا تاما لكل ما ليس له نهاية، وتجول حيث لا يوجد درب. تشبث بكل ما وهبته لك السماء، ولكن لا تظن أنك تملك شيئا. «كن خاويا، هذا كل ما في الأمر.»
صفحه نامشخص
جوانج زي
1
على مدار رحلته، ثمة صوت بداخل بيلبو يتوق للوطن، ولسلوى وأمان المألوف. يكتشف بيلبو أيضا أن المرء يجد الوطن عندما يغادره. وبالمثل، يذكرنا الحكماء الطاويون أيضا أننا نجد مستقرنا الحقيقي في الرحلة نفسها. ألا تتردد في رسالة «سيد الخواتم» فكرة أن «ليس كل هؤلاء الذين يتنقلون ويجولون يضلون الطريق»؟!
تجد نزعات الحنين المتضاربة للأمان والمغامرة صدى واضحا لدى القراء الغربيين ومرتادي دور السينما. والصراع من أجل التوفيق بين مثل هذه النزعات الازدواجية بداخلنا ساعد على إطلاق وفرة من الصناعات المرتبطة بعلم النفس العام والمساعدة الذاتية. ولكن قدماء الطاويين الصينيين القدماء سبقونا بألفي عام في هذه النزعة. ووفقا لهؤلاء الفلاسفة الشرقيين الأوائل، فإن مثل هذه النزعات المتباينة لا تحتاج للتوفيق بينها؛ فهي حتى غير متناقضة. (1) رفقة الطاو
الطاو هو المبدأ الأساسي للواقع، وأصل الكون، وطريقة الطبيعة والحياة والموت المستعصية على الوصف التي يخفق نبضها على مدى الوجود. فالتغيير والاستقرار يتعايشان معا على امتداد الواقع. ولعلنا نرى التجسيد العملي للطاو في شخص بيلبو المغامر الذي يرحب بالتغيير ويعتنقه، وفي بيلبو المحب لدفء المنزل وراحته الذي يتوق للأمان.
لعل إحدى الطرق للتأمل والتدبر في الطاو تتمثل في استعراض علم الكونيات الصيني القديم، الذي ينظر إلى الكون بوصفه دراما تتفاعل فيها قوتان أوليتان، هما الين واليانج، إحداهما مع الأخرى. والطاوية هي المبدأ الأسمى الذي ينشئ كلا من الين واليانج. و«الين» - التي تعني حرفيا «الجزء المظلم من الجبل» - هي قوة الظلام والتقبل والأنوثة. أما «اليانج» - التي تعني حرفيا «الجزء المضيء من الجبل» - فهي قوة النور والنشاط والذكورة. وتكمل الين واليانج إحداهما الأخرى في توازن أبدي.
2
تكشف مغامرة بيلبو بشكل خاص هذه المعاني الحرفية؛ فبينما ينطلق مسافرونا في رحلتهم في اتجاه الجبل الوحيد، ثم يصعدونه حتى ينطلقوا في النهاية داخل أحشائه، تتضافر قوتا الظلام والنور معا بشكل مستديم نوعا ما مثل العمالقة الذين يتألفون من ظلام الجبل ويعودون مرة أخرى إلى أصلهم بمجرد مواجهة النور. وبينما يتحول الجانب المظلم، آجلا أو عاجلا، ليصبح الجانب المضيء، تتحول الين في النهاية إلى يانج. وتمثل الطاوية هذه الرقصة الكونية للنور والظلام.
وفي واد خال من القدر الزائد من ظلام الجبل ونوره، يوجد التناغم بين الين واليانج على نحو لطيف. يعيش إلروند في «وادي ريفيندل الجميل»، وحين يكتشف مسافرونا الوادي يسمعون «صوت الماء المتسارع في صخر القاعدة في القاع؛ كان عبق الأشجار يملأ الهواء، وكان هناك ضوء على جانب الوادي يمتد عبر الماء».
3
صفحه نامشخص