وطابت نفس أخيليوس بما سمع، وعاد إلى سفينته راضيا.
الفصل الرابع
بين باريس ومينيلاوس
صلت ثيتيس صلاة خاشعة للإله زيوس، وتوسلت إليه أن يرحم ابنها أخيليوس مما نزل به من ضيق. فاستجاب لصلاتها، وألهم أغاممنون حلما كاذبا، أنه عليه أن يستنفر الأمراء الإغريق، ويحشدهم لحرب الطرواديين عند الأسوار.
وفي صباح اليوم التالي جمع أغاممنون الأمراء، وكشف لهم عن مضمون الحلم الذي ألهمه إياه زيوس كبير الآلهة، وحثهم على استئناف القتال، مغريا لهم بأن النصر سيكون حليفهم. ولكن الأمراء لم يكونوا عند حسن ظنه، فقد خيبوا أمله بتقاعسهم عن القتال. حتى إن أحدهم ويدعى ثيرسيتيس، وكان سيئ المنظر، قبيح الوجه، صاح في أغاممنون: «ماذا تريد أيها الملك الجشع؟ إن خيامك غاصة بالإماء الجميلات، مكتظة بالجواهر الثمينة، التي غنمناها لك من بلاد الطرواديين. ولكنك نهم لا تشبع ولا تقنع، وإنما دائما هل من مزيد، فماذا تريد؟»
ثم التفت إلى الأمراء موجها الحديث إليهم: «لقد أرهقنا هذا الملك من أمرنا عسرا، وحملنا من ويلات الحرب وتبعاتها فوق ما نطيق. فمن الخير لنا أن ننقلب إلى بلادنا، ونخلي بين هذا الملك الجشع وبين الطرواديين، يصنعون به ما يشاءون. لقد أهان أشجع جنودنا طرا.»
وران على الجميع صمت ثقيل، وتهامس بعضهم إلى بعض. غير أن أوديسيوس قطع حبال هذا الصمت الرهيب، وصاح في الرجل: «أيهذا الأحمق، كيف تجرؤ على مخاطبة قائدنا وملكنا أغاممنون بهذه الطريقة؟ كف عن سفاهتك، والزم الصمت.»
وما إن نطق أوديسيوس بهذه الكلمات، حتى بادر ثيرسيتيس بضربة شديدة عاتية بين كتفيه أقعدته، وألزمته الصمت. وراح يجفف الدموع التي اغرورقت بها عيناه، يحول بينها وبين أن تفضح شجاعته، وتفصح عن جبنه ونذالته.
ثم التفت أوديسيوس إلى القوم، وقد تعلقت به أبصارهم، وقال: «أيها الأمراء الإغريق، إنه لمن العار أن نحنث في عهدنا الذي أعطيناه تينداريوس والد هيليني، وإن كبرياءنا سوف تمرغ في الوحل لو عدنا بدونها. ولكنا لا يمكننا البقاء على هذه الحال طويلا، فعلينا - إذا - أن نتذرع بالصبر، وأن نقسم على البر بعهدنا، وعلى ألا نعود إلى بلادنا إلا بعد أن نستولي على طروادة، ونسترد هيليني وما اغتصبوه منا.»
وبث هذا القول الحماسة في نفوس الأمراء، وطابت له نفس أغاممنون. فأمر الإغريق أن يتناولوا فطورهم، ويستعدوا للقتال، بشحذ رماحهم، وصقل سيوفهم. فقد عقد العزم على ملاقاة الطرواديين اليوم، كما ألهمه زيوس.
صفحه نامشخص