أجابه أخيليوس في حنق: «أيها الملك الجشع، كيف يتسنى لنا تعويضك، وأنت تعلم أننا اقتسمنا بيننا كل ما غنمناه من البلدان التي بسطنا سلطاننا عليها؟ أيليق بنا أن نستجدي رجالنا ما منحناهم إياه؟ أم يا ترى نغتصبه منهم اغتصابا؟ الأولى بك أن تتجه إلى السماء، وتضع فيها ثقتك، ولك علينا حينما نستولي على طروادة أن تحظى بجائزتك أضعافا مضاعفة.»
وغضب أغاممنون غضبا عنيفا، وقال في ضيق وغيظ: «أي أخيليوس الشجاع، لا تغالط نفسك، ولا تخدعها بهذه الكلمات الناعمة، فإنك لن تبلغ مني شيئا. إذا أردتم أن أرد خريسايس الفاتنة إلى أبيها الكاهن فعليكم أن تعوضوني، وإذا لم تفعلوا فسأتقدم من تلقاء نفسي لأختار العذراء التي تروقني، ولو كانت عذراءك أنت.»
صاح أخيليوس: «تبا لك من قائد! كيف ترجو من الإغريق أن ينقادوا لك؟ إنه ليس بيني وبين الطرواديين ما يحملني على حربهم، فهم لم يستولوا على زوجتي، ولم يغتصبوا كنوزي، وإنما جئنا لحربهم ذودا عن شرف مينيلاوس أخيك، وأراك تتجاهل هبتي لنجدتكم، وتتطاول لتسلبني جائزتي التي قاتلت من أجلها بقوة وبسالة. يا لك من ملك فاقد الحياء! أهكذا تمضي الأمور؟ كلما هاجمنا مدينة طروادية توليت أنا قيادة المعركة، واكتويت بنارها، حتى إذا أسفرت عن النصر، وحان وقت توزيع الأسلاب والغنائم التي أصبناها، ظفرت أنت بالقسط الأعظم، فهل من العدل أن يكون لك دائما الغنم وعلي دائما الغرم؟ إنه من الخير لي ولمن معي أن نعود إلى وطننا، وندعك وحدك لتفوز بأي مجد من غيري لو استطعت!»
استمر أغاممنون سادرا في غلوائه، وقال لأخيليوس: «عد إلى وطنك كما تشاء، فسواء علي أبقيت أم انصرفت، ولن أتوسل إليك كي تبقى. أنا أعرف قوتك، وأعرف سرها، ولكن الفضل في ذلك لا يعود إليك، وإنما يعود إلى الآلهة التي حصنتك ضد السلاح البشري، فأورثتك هذه القوة والشجاعة. إنني لا أبالي غضبك، ولا تزعجني زمجرتك. ولتعلم أنه إذا كانت رغبة أبوللو أن أعيد ابنة كاهنه إليه فأنا مجيب رغبته، ولكني سأسلبك جائزتك بريسايس الفاتنة؛ لتعرف أينا أشد وأقوى!»
بلغ الغضب من أخيليوس ذورته، وأسرعت يده إلى مقبض سيفه، وهمت أن تسله من غمده، ولكن قبل أن يفعل كانت الربة أثينة قد هبطت من عليائها، ووقفت من ورائه، ومرت بيدها الحانية على شعره الذهبي. وشعر أخيليوس بهذه اللمسة الرقيقة الرفيقة، فاستدار ليرى اليد التي تربت عليه، وقال: «أنت هنا أيتها الربة أثينة؟ لماذا؟» - «أرسلتني الربة هيرا لأهدئ من روعك؛ فهي تكن لك الحب كما تكنه لأغاممنون، ولا تريد أن ينشب بينكما عراك، وستتولى هي عقابه على إهانته لك، إذا أنت لبيت رغبتها.» - «لا مفر لي من الطاعة؛ فليس في طاقتي قتال الآلهة، وليست لي رغبة فيه.»
وكرت أثينة راجعة إلى جبل أوليمبوس المقدس، والتفت أخيليوس إلى أغاممنون بنفس قد خالطها شيء من هدوء، وقال له بصوت حاول أن يخفف نبرته: «إن بريسايس زوجتي، وأنت الذي منحتني إياها عند تقسيم الغنائم، ويمكنك أن تستردها. لكن لو حدثتك نفسك باستلاب أي شيء من ممتلكاتي الأخرى، فسوف تلقى حتفك بسيفي هذا. وإني لأقسم قسما لا حنث فيه أنك - قريبا - ستعض بنان الندم، ومعك جميع الإغريق على ما بدر منك في حقي، وما وجهته من إهانة إلى أشجع الجنود طرا.»
نطق أخيليوس بهذه الكلمات، ثم استدار، وولى مسرعا خارج المعسكر.
أعاد أغاممنون خريسايس إلى أبيها الكاهن، ومعها مائة ثور قربانا للإله أبوللو؛ تكفيرا عن إثمه، وأملا في محو خطيئته. كذلك، أطلق أخيليوس سراح بريسايس، وتركها حرة تمضي كما تشاء، بيد أن حزنه عليها كان شديدا. ثم أقسم أنه لن يقاتل بعد اليوم من أجل أغاممنون، لا هو ولا قومه المورميدونيون.
وذهبت بريسايس لشأنها، وخلت أخيليوس محزونا، ضائق الصدر، يجثم على قلبه الهم. فجلس على شاطئ البحر شارد النظر، كاسف البال، فتراءى له طيف أمه ثيتيس، فناداها بصوت يقطر لوعة وأسى: «أماه، أعلم أنه مقدور علي أن أموت في ريعان الشباب، فلماذا أموت مغمورا دون أن أحظى بالمجد والشهرة في حياتي هذه القصيرة؟ إن أغاممنون قد اشتط في إهانتي، وسلبني جائزتي، وهي أعز ما أملك، فلماذا تتركينني وحيدا؟»
تناهى إلى سمع ثيتيس هذا النداء، وهي جالسة في قصرها المنيف في أعماق البحر، فحزنت من أجل ولدها حزنا شديدا، وصعدت إليه، تشق الماء شقا. حتى إذا ما بلغته، وقفت إلى جانبه، وربتت بيدها على كتفه، وطفقت تواسيه، ووعدته أن تتوسل إلى زيوس كي يكتب النصر للطرواديين، ويذيق أغاممنون والإغريق معه ذل الهزيمة جزاء ما اقترفوه في حق ابنها أخيليوس.
صفحه نامشخص