فإن قلت: لا زال الفقهاء يخطئ بعضهم بعضا ويخالف بعضهم آخر ويقيم كل منهم الأدلة على إثبات مطلوبه وتخطئة صاحبه، ومن البين أن ما اختلفوا فيه هو المطالب الفقهية والمسائل المبحوث عنها في تلك الصناعة، والفقه اسم لتلك المطالب النظرية المتداولة بينهم، وظاهر أيضا أنه ليس الاختلاف الواقع بينهم بالنسبة إلى الحكم الظاهري ضرورة اتفاق الكل على تعدده بحسب تعدد آراء المجتهدين واختلافه بحسب اختلاف ظنونهم، للإجماع على وجوب أخذ كل منهم بظنه وعدم جواز أخذه بقول الآخر وإن اعتقد كل منهم تخطئة صاحبه، فليس اختلافهم إلا بالنسبة إلى الحكم الواقعي الثابت في نفسه مع قطع النظر عن ثبوته في حقه بخصوصه وحق مقلده، فلا يكون الأحكام الفقهية إلا بالنظر إلى الواقع، فكيف يحمل " الأحكام " على الظاهرية؟
قلت: كون المبحوث عنه هو الأحكام الواقعية لا ينافي أن يكون الفقه هو الأحكام الظاهرية، فالأحكام الفقهية الحاصلة للمجتهد من حيث وجوب الأخذ بها والحكم بمقتضاها تكون فقها، وهي بهذه الحيثية تكون معلومة للفقيه مقطوعا بها عنده، ومن حيث مطابقتها للواقع أو لمقتضى الأدلة الشرعية تكون ظنية في الغالب موردا للاختلاف، وبهذه الحيثية تكون متعلقة للاجتهاد. فوقوع الخلاف في المسائل الفقهية وكون المنظور حين الاستدلال هو الوصول إلى الواقع أو إصابة ما هو مقتضى الأدلة الموجودة لا يقضي بكون الملحوظ في صدق الفقه هو الأحكام الواقعية، بل لما كان ثبوت الحكم في الظاهر منوطا بظن موافقته للواقع أو لمقتضى الأدلة الشرعية أو القطع بها مع إمكانه كان الملحوظ هناك حال الواقع أو مؤدى الدليل، فوقع (1) الاختلاف فيها من تلك الجهة وإن كانت من حيث وجوب الأخذ بها وثبوتها على المكلف بحسب الشرع فقها وكانت معلومة للفقيه، فالجهة الأولى
صفحه ۸۹