حیات شرق
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
ژانرها
وترجع تلك الحماية إلى دخول الولايات السعودية الوهابية - وهي نجد واليمامة والعارض ووشم والسدير والقصيم وشمر وعسير اليمانية - في حوزة العثمانيين على أيدي محمد علي وإبراهيم عند استفحال أمر الوهابية.
وأكد تلك الحماية سنة 1870 التجاء عبد الله بن فيصل إلى مدحت واعتراف أمراء حائل لهم بالسيادة العامة وثلهم أمراء رياض من بيت سعود أثناء المنازعات التي وقعت بين أمراء هذين البيتين من حوالي أربعين سنة إلى الآن.
عمان ومسقط
إن في شرق الجزيرة العربية وعند الخليج الفارسي إمارات وسلطنات ودويلات صغيرة شأنها شأن الجزيرة العربية من حيث كونها إسلامية شرقية، ولكن إنجلترا بسطت عليها نفوذها من زمن طويل لا لأنها أغنى بلاد العالم بجواهرها ولآلئها ودراريها، ولكن لقربها من الهند وخطورة مركزها السياسي، وهي تفوق من تلك الناحية جنوب الجزيرة الغربي حيث توجد عدن وغيرها من الإمارات والسلطنات الصغيرة الواقعة هي أيضا تحت النفوذ البريطاني. ومن تلك الولايات العربية إمارة عمان فإن لها تاريخا يهم كل عربي، لأنها رفعت علم الناطقين بالضاد إلى أوج السماء في القرن العاشر الهجري، فقال بعض المؤرخين إنه لم تقم لهم قائمة منذ خرجوا من الأندلس بغير عمان التي دامت نهضتها من سنة 1000 إلى 1250 هجرية، فنشأ بها فطاحل عظماء كونوا دولة عربية قائمة على أساس العدل واستولت على بعض ثغور البحر الأحمر ثم على المحيط الهندي والخليج الفارسي فأفريقيا الشرقية إلى رأس الرجاء الصالح، وفي بضعة أجيال صار أهل عمان سادة على هذه البحار الثلاثة العظمى وصار لهم أسطول ضخم هاجم الأسطول البرتغالي ومزقه إربا وشتت شمل البرتغاليين وأجلاهم عن جميع الثغور الهندية والفارسية والأفريقية. وكان الأسطول العماني مؤلفا من ثلاثمائة قطعة بين بارجة وفرقاطة ونسافة وحراقة، وقد وصفه سرهنك باشا في كتابه «دول البحار» وذكره كثيرون من مؤرخي الشرق وذكروا أسماء السفن الكبرى التي كانت تشبه المدرعات والدردنوط والطرادات الأوروبية، وهو الأسطول الإسلامي الرابع أو الخامس الذي ظهر في البحار بعد أسطول صلاح الدين الأيوبي وقبل أساطيل الدولة العثمانية والأسطول المصري الذي تألبت عليه الدول وقضت عليه في موقعة ناڤارينو. ومن أسماء تلك السفائن الحربية العمانية «الفلك والملك والناصري وكعب رأس والرحماني والإمامي واليعربي وعمان ونزوى والفتح والنصر ويعرب وقحطان»، كما يسمي الإنجليز مراكبهم «الملكة إليزابيث وفيكتوريا ونلسون» وغيرها.
ومن البديهي أن الإنجليز لم يصبروا على هذه الدولة البحرية الشرقية التي كانت تهددهم في أملاكهم في آسيا وأفريقيا، وقد يستقر نفوذها في الهند وإندونيسيا والهند الصينية شرقا وإلى شرق أفريقيا والسودان وجنوب أفريقيا غربا، بعد أن امتد ذلك النفوذ إلى تلك الناحيات فعلا، فعملت في مدى ثمانين عاما على إضعاف تلك الدولة والقضاء على أسطولها ثم الاستيلاء على بلادها وقهرها شيئا فشيئا، وما زالت بريطانيا تعمل على انحلال تلك الدولة العمانية البحرية إلى وقتنا هذا. وهذه السلطنة يحكمها الآن السلطان تيمور، والشائع أنه وبلاده تحت الحماية البريطانية، ويقال أيضا إنه مستقل في بلاده ولكنه مرتبط مع دولة إنجلترا بمعاهدات تقضي بأن لا يمنح أية دولة أوروبية امتيازا في بلاده، لمجاورتها للهند. وقد حدثت في عمان ثورة عظيمة كان تيارها جارفا، تمكن الثوار في أثنائها من طرد ولاة السلطان تيمور من جميع البلاد الداخلية حتى إن والي السلطان بنزوى، وهو السيد سيف بن حمد، انتحر من شدة الحصار، وحوصر السيد نادر أخو السلطان بسمائل شهرا، فاضطر لتسليم البلاد لزعماء الثورة، وحوصر ابن عم السلطان السيد أحمد بن إبراهيم خمسة أشهر بحصن الرستاق ثم سلم البلاد. واستفحل أمر الثوار في الداخلية واستتب لهم الفتح فيها فانقلبوا إلى الثغور البحرية فوقف الأسطول الإنجليزي في وجوههم وضرب بعض المدن بالقنابل مثل بركا وقريات.
وعند ذلك أراد الإنجليز تحوير المعاهدة التي بينهم وبين السلطان تيمور وانتهزت إنجلترا هذه الفرصة فزادت بعض البنود المؤيدة لسلطتهم فاضطر السلطان تيمور لقبولها، وحدث إثر ذلك أن قابل ملك الإنجليز عظمة السلطان تيمور فقويت شائعة الحماية التي بسطها الإنجليز على عمان ومسقط.
الفصل الثامن
سبب انحطاط العرب وتاريخ الدولة البحرية الإسلامية العظمى
دولة بحرية إسلامية عظمى
ربما كان الكثيرون من الشرقيين لا يعرفون شيئا عن تلك الدولة الإسلامية البحرية العظمى التي قامت منذ قرنين في شرق جزيرة العرب وقضت على دولة البرتغال وهددت الهند والإنجليز والفرس، ولولا الاستئثار وحب الذات والتفاني في السلطة والجهل وقبول الدسائس الأجنبية لكانت اليوم من أعظم دول البحار في العالم، هذه هي دولة عمان، وتجد الإفرنج أنفسهم يوجزون في كتبهم عند ذكر عمان ويكتفون بتذكيرنا بوقوع مسقط عاصمتها في أيدي البرتغال في أوائل القرن السادس عشر، وأنها ما زالت تحت حكمهم إلى نصف القرن السابع عشر، وأنها بعد ذلك كانت نهبا بين نادر شاه الفارسي وأحمد بن سعود واليعاربة، وأنها فقدت قطر والبحرين بما فيهما من مصائد اللؤلؤ والثروة الطائلة، وأن تويني أحد سلاطينها قتله ابنه، وكانت البلاد مسرحا للفتن والقلاقل وإراقة الدماء.
صفحه نامشخص