حیات شرق
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
ژانرها
فإنه جاء منهم أربعة من صميم بلاد الإنجليز الذين لا يطيقون فيها حرا ولا شمسا (وهم لا يرون قرص الشمس مرة في كل عام)، فرضوا أن يعيشوا في وسط بلاد يضرب المثل بشدة قيظها، وتعد مصر في أشد أيامها حرا بمثابة سويسرا بالنسبة لها، وتلك البلاد وهي الكويت خالية من كل وسائل الراحة البدنية فلا طرق ولا شوارع ولا ماء صالح للشرب ولا أدوات صحية ... تصور هؤلاء الإنجليز الأربعة الذين جاءوا بزوجاتهم كيف يعيشون في هذا الوسط الغريب عنهم مستهدفين لأخطار الطبيعة وأخطار الحياة!
وقد بدءوا أولا ببناء مستشفى وتأسيس مكتبة، وقد بقي المستشفى والمكتبة خاويين على عروشهما لا يؤمهما أحد من أهل البلاد مدة أربع سنين، فلم ييأس المبشرون الثمانية ولم يضجروا ولم يتسرب اليأس إلى قلوبهم، بل لجئوا للدرجة الثانية من العمل وهي أن نساءهم الأربع تحجبن واتخذن أسماء أنثوية إسلامية فاطمة وعائشة وزينب وزبيدة، وأخذن يغشين منازل أهل الكويت ليعالجن المرضى ويواسينهم ويخففن آلامهم في سكون وهدوء ولا تنطق واحدة منهن بكلمة في الدين، وهن ينتظرن سنوح الفرصة ليقمن بعد قليل بواجبهن الأصيل وهو التبشير، وكفاهن الآن أنهن تملكن قلوب الذين خدمنهم بالعلاج والدواء. وهكذا يعملون ويعملن في صبر وثبات دون أن يشعر أحد بخطورتهن.
والبقعة بين رأس قطر والقطيف مغاص من أحسن مغاوص اللؤلؤ في العالم كانت ولا تزال إلى اليوم، وسكان قطر والبحارنة (أهل البحرين) كلهم يشتغلون بالغوص نصف العام تقريبا. ومن مدن تلك الجهة هجر القديمة المهجورة المشهورة بتمرها حتى ضربت به الأمثال فقيل «ناقل تمر إلى هجر» كما يقال «ناقل قطن إلى مصر.»
وقد أسس الترك هذه المتصرفية التي حكينا عنها آنفا منذ ستين عاما وكان ينبغي لهم أن يعنوا بها منذ ذلك التأسيس، ولعلهم لم يدركوا أن تلك البلاد هي مفتاح البلاد العربية غربا ومفتاح الهند شرقا ومفتاح العراق شمالا وبها طرق التجارة المهمة للشرق والغرب.
والحسا أو الحفوف وهي هجر القديمة هي المحطة الأولى على طريق القافلة من خليج فارس إلى مكة وجدة والمدينة.
إن البحرين وهي جزيرة اللؤلؤ الآن تحت حماية الدولة البريطانية، وقد تدخلت في نصب حاكم لها منذ سنة 1867، فإنها في تلك السنة نصبت عيسى بن علي حاكما أو سلطانا على الجزيرة بعد أن عزلت أباه عن كرسي الحكم.
وبعد ذلك ببضع سنين أصبحت تدعي أن لها حق الحماية أو الوصاية على الكويت، ولها فوق ذلك من النفوذ في كل خليج فارس ما لم يسع أحدا من ساسة العثمانيين أن يجهله فإنها هي المسيطرة معنويا على كل الحركات التي تجري على شواطئ هذا الخليج الغربية والشرقية في بلاد فارس وفي بلاد العرب وفي يدها إن شاءت أن تثير الخواطر أو تسكنها، فإن عمالها هناك أهل إدراك ويقظة (أمثال كوكس ) لا تفوتهم حركة ولا سكنة تنتفع بها أمتهم أو يزداد بها نفوذ دولتهم. أما معنى الحماية البريطانية فمنع معاوقة تجارتهم ومنع بيع الرقيق علنا وليس لهم معتمد خصوصي، ثم ترك الحكام الوطنيين وشأنهم والقضاة وشأنهم يظلمون أو يعدلون ويرتشون أو يعفون، فإذا تجاوزوا ذلك إلى مخابرة سياسية أو أظهروا شيئا من الاستقلال في تصرفاتهم مع دولة أخرى فحينئذ تظهر الحماية البريطانية ويظهر أثرها بالمنع، وفي ما عدا ذلك لا أثر لها إلا أن يكون ذلك مرتبا سنويا تدفعه الدولة البريطانية للشيخ أو الأمير عن حماية التجارة أو منع بيع الرقيق أو تألفا له.
شمر بلاد أو واحة واقعة
شمر بلاد أو واحة واقعة بين أجأ وسلمى جبلي طيئ، وعاصمتها حائل، وهي مدينة ابن الرشيد وكرسي إمارته، وإلى جنوبها القصيم العليا والقصيم السفلى، وفيها عنيزة وبريدة مدينتا نجد (نجد الحجاز)، ويقول السائحون إنها بلاد طيبة الهواء جيدة التربة ولا أثر فيها للبعوض والذبان ولا للقمل والبراغيث ولا رائحة للمجزرة بها واللحم لا يخنز هناك، وسماؤها غاية في الصفاء ونسمات أسحارها لا أعل ولا أنعش منها. وكانت حائل تابعة لرياض، تعترف بسيادتها.
وقد ضعف شأن رياض عندما لجأ عبد الله إلى مدحت باشا ضد أخيه سعود وهما ابنا فيصل الوهابي فانتهزت حائل هذه الفرصة واستقلت، واستمرت المدينتان تتنازعان السلطة والسيادة. وكان ضلع الولاة العثمانيين مع حائل، فكان والي بغداد والبصرة يجعل أمراء بيت الرشيد حماة لطريق الحج من قبل الدولة العثمانية فكان آل الرشيد يعترفون بسيادة الدولة، وأقل ما للعثمانيين من الحقوق على حائل ورياض أيضا الحماية التي هي أشبه بالحماية الإنجليزية على كثير من أجزاء الجزيرة العربية في جهات اليمن والشحر أو في جهات الخليج الفارسي.
صفحه نامشخص