فشكرت عواطفه الرقيقة وقلت: إذن أنت لا تدينني. - لست في يقيني آثمة، بل أعتقد أن الله لا يدينك، فالبشر الذين يدينونك يتطاولون على رحمة الله. - إنك تنتشل نفسي من هاوية اليأس يا عزيزي، فهل ترى أني أستحق أن أكون زوجة لك. - إن اطلاعي على سرك هذا زادني اعتبارا لك ورغبة فيك، فلا تشكي بحبي لك. - وستجدني أخلص لك من نفسك.
وانتهى اجتماعنا ذاك باغتباط مشترك بيننا لا مثيل له، لعلك تتصور قدر سعادتي وسروري حينئذ يا موريس، إنه مضارع لسروري وغبطتي بحبك.
ولكن والوعت أن هذه الغبطة لم تدم طويلا، فإن ذلك الفتى لم يعد في زياراته التالية الشخص الذي تعودت عشرته، بل كان كثيرا ما يذهل وهو يفكر، فأدركت أن الوساوس تطرقت إلى يقينه، وخفت سوء المغبة، وحاولت أن ألتمس منه أن يصارحني قصده فكان يتحاشى المصارحة.
لم يزرني بعد ذلك إلا ثلاثة، ثم قاطعني فجاءة ففي حين كنت أنتظر قدومه وردت إلي رسالة منه انقض معناها على قلبي انقضاض الصاعقة، وهاك نسختها:
سيدتي المحترمة
لا يدور في خلدي أني أفضل منك بمزية قط، ولكن بدت أسباب تحملني بكل تأسف على أن أفك عقد خطبتنا، لا أزال أحترمك وأعتبر خصالك الحميدة، وأتمنى أن أبقى في عداد أصدقائك، لي أمل بأن الأمر لا يسوءك.
فلان
حزنت جدا واغتظت لهذه العقبى، واحترت في سبب انقلاب رأيه بعد اغتفاره زلتي وتجديد عهده لي، على أني ما ترددت في إيفاد خادمتي إليه بهداياه وعلامة الخطبة والرسالة:
سيدي فلان
أظنك تدرك من نفسك عمق الحزن الذي سببه لي كتابك اليوم، فإنه لا يقل عن عمق حبي لك، ومع ذلك لا قبل لي على مخالفة مشيئتك، إليك هداياك وعلامة العهد بيننا مع الخادمة، ومع أنه لم تبق لي عليك دالة بعد الآن أترجى منك رجاء واحدا فقط، وهو أن تزورني مرة أخرى لكي أعلم منك السبب الذي أفضى إلى ذلك بعد أن تفاهمنا، وإلا فأكون مظلومة بهذا النبذ لغير سبب ظاهر، إنك كريم الأخلاق فلا أظنك تخيب طلبي. (...)
صفحه نامشخص