والمدح هو الثناء على الجميل مطلقا تقول: حمدت زيدا على علمه وكرمه، ولا تقول:
حمدته على حسنه بل مدحته. وقيل: هما أخوان والشكر مقابلة النعمة قولا وعملا واعتقادا. قال:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
هو أعم منهما من وجه وأخص من آخر.
والقدرة ولا يحمد إلا على صفات فعله، وثانيا بتسليم كونه حمدا بناء على جعل الصفات المذكورة بمنزلة أفعال اختيارية لذات الواجب إما لكون ذاته كافية فيها أو لكونها مبادىء الأفعال الجميلة الاختيارية. ويجوز أن يقال المراد بكون المحمود عليه أمرا اختياريا أن يكون للاختيار مدخل في تحققه في بعض المواد وإن لم يتحقق بالاختيار في المواد الأخر فيكون قوله: «هو الثناء على الجميل الاختياري» بمعنى على الجميل الذي من شأنه أن يحصل بالاختيار وإن لم يكن اختياريا في جميع الصور. ويؤيد هذا الاحتمال قول المصنف تقول:
«حمدت زيدا على علمه وكرمه» فإنه تصريح بأن كل واحد من العلم والكرم جميل اختياري بناء على حصوله بالاختيار في بعض الصور مع إن العلم كيفية انفعالية فائضة من فضل الله تعالى ولي من الأفعال الاختيارية للنفس، وكذا الكرم فإنه صفة غريزية جبل عليها الإنسان لا اختيار له فيها وإن كان طريق حصول العلم وسبب فيضانه من المبدأ اختياريا وكان آثار الكرم وثمراته اختيارية. فإن قيل: إذا يغاير مفهوم الحمد كونه في مقابلة الجميل الاختياري ثم يستقيم ما اشتهر بين العلماء من أنه تعالى كما يستحق الحمد لإفضاله يستحقه أيضا لذاته، قلنا: معنى استحقاقه لذاته استحقاقه لذاته المستجمعة لجميع صفاته الذاتية والفعلية فيرجع المعنى أنه تعالى يستحق الحمد لجميع صفاته الحسنى فإن ذاته تعالى لما كان كافيا في اتصافه بها صار استحقاقه الحمد لها بمنزلة استحقاقه إياه لذاته. والمشهور في تعريف الحمد أنه هو الوصف بالجميل على جهة التعظيم لأن الثناء لا يكون إلا على جهة التعظيم لأن ما لا يكون على جهة التعظيم استهزاء فلا يطلق عليه الثناء فقوله: «هو الثناء على الجميل الاختياري» يقتضي أن لا يتحقق الحمد إلا بمحمود به وهو الجميل الاختياري سواء كان إنعاما أو غيره وهو ظاهر فيما إذا وصف المنعم بإنعامه أو الشجاع بشجاعته فإنه حمد بلا شبهة مع أن تحقيق المحمود به والمحمود عليه هنا ليس بواضح وينبغي أن يعلم أن الإنعام من حيث إنه كمال يوصف به محمود به ومن حيث قيامه بمحله محمود عليه وكذا الحال في وصف الشجاع بشجاعته لكن الشجاعة إنما تكون محمودا عليها باعتبار دلالتها على الأفعال الجميلة الاختيارية وإلا فهي ملكة نفسانية غير اختيارية.
قوله: (وقيل: هما أخوان) عطف على ما سبق من تعريفي الحمد والمدح من حيث
صفحه ۶۱