بابه. وإنما خص التسمية بهذه الأسماء ليعلم العارف أن المستحق لأن يستعان به في مجامع الأمور هو المعبود الحقيقي الذي هو مولي النعم كلها عاجلها وآجلها جليلها وحقيرها فيتوجه بشراشره إلى جناب القدس ويتمسك بحبل التوفيق ويشغل سره بذكره والاستمداد به عن غيره.
الحمد لله الحمد هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها، عطشان وغرثان. قوله: (في مجامع الأمور) أي في جميعها فإن المجامع جمع مجموع، والمولى بضم الميم المعطي. قوله: (فيتوجه) عطف على قوله: «يعلم». والشراشر النفس والكل يقال للواحدة شرشرة بالفتح يقال: ألقى عليه شراشره أي نفسه حصرا ومحبة. قوله:
(لأن يستعان به) إشارة إلى رجحان كون الباء للاستعانة بأن يشبه اسمه تعالى بما هو الآلة للفعل المشروع فيه من حيث إن ذلك الفعل لا يتم ولا يعتد به شرعا ما لم يصدر باسمه تعالى، وإن جاز كونها للملابسة على وجه التبرك به والوجه في كون تخصيص التسمية بالأسماء المذكورة وسيلة إلى علم العارف بما ذكره هو ما اشتهر من أن تعليق الحكم بالمشتق يفيد علية المأخذ لذلك الحكم فلما علق حكم الاستعانة بالله الرحمن الرحيم فقد علم العارف أن الاستعانة بمسمى هذه الأسماء الشريفة إنما هي لكونه معبودا حقيقيا موليا للنعم كلها. قوله: (ويشغل سره بذكره) أي ويجعله مشغولا بذكره وبالاستمداد به. قوله:
(عن غيره) متعلق بيشغل.
قوله: (الحمد هو الثناء) أشار به إلى أن مورد الحمد خاص وهو اللسان وحده لأن الثناء هو الذكر بالخير فلا يكون إلا باللسان وقوله: على الجميل الاختياري «مطلقا» أي سواء كان ذلك الجميل من قبيل الفضائل المختصة بالمحمود كعلمه وكرمه، أو من قبيل الفواضل المتعدية إلى الحامد كالإنعام أشار به إلى أن متعلق الحمد خاص وهو الجميل الاختياري بالنسبة إلى متعلق المدح، فإن المدح يكون بمقابلة الجميل الغير الاختياري أيضا حيث يقال:
مدحته على حسنه فيكون الحمد أخص مطلقا من المدح لأن كل حمد مدح من غير عكس.
قوله: (من نعمة أو غيرها) تقديره من إنعام نعمة لأن نفس النعمة ليست من الأمور الاختيارية، فإن قيل: تقييد الجميل المحمود عليه بكونه اختياريا يقتضي أن لا يحمد الله تعالى بمقابلة صفاته الذاتية كالقدرة والإرادة والعلم والحياة لأنها ليست باختيارية مع أنه تعالى يحمد عليها فيقال الحمد لله على عظمة جلاله وعلى وحدانيته، أجيب أولا بمنع كون الثناء الواقع في مقابلتها حمدا بل هو مدح وإطلاق الحمد عليه من قبيل ذكر الخاص وإرادة العام فإنه تعالى كما يمدح على صفات فعله كالخلق والرزق يمدح أيضا على صفات ذاته كالعلم
صفحه ۶۰