378

حاشیه بر تفسیر بیضاوی

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

ژانرها

من ند ندودا إذا نفر، وناددت الرجل خالفته خص بالمخالف المماثل في الذات كما خص المساوي بالمماثل في القدر. وتسمية ما يعبده المشركون من دون الله أندادا وما زعموا أنها تساويه في ذاته وصفاته ولا أنها تخالفه في أفعاله لأنهم لما تركوا عبادته إلى عبادتها وسموها آلهة شابهت حالهم حال من يعتقد أنها ذوات واجبة بالذات قادرة على أن تدفع عنهم بأس الله وتمنحهم ما لم يرد الله بهم من خير، فتهكم بهم وشنع عليهم بأن جعلوا أندادا لمن يمتنع أن يكون له ند. ولهذا قال موحد الجاهلية زيد بن عمرو بن نفيل:

أربا واحدا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور

تركت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الرجل البصير

فتهكم بهم يشعر بأن هناك استعارة استعملت في ضد معناها الحقيقي ونقيضه بناء على تنزيل التضاد والتناقض منزلة التناسب للتحقير والازدراء كما استعيرت البشارة لضدها الذي هو الإنذار في قوله تعالى: فبشرهم بعذاب أليم [آل عمران: 21] وآيات غيرها. وليست هناك استعارة تهكمية اصطلاحية إذ ليس فيها استعارة أحد الضدين للآخر بل هناك استعارة إحدى الحالتين المتشابهتين للأخرى فهي استعارة تمثيلية، كما أشار إليه بذكر مشابهة حالهم بحال من يعتقد ويقول إنها أنداد له تعالى لكن المقصود منها التهكم بهم منزلة منزلة من شابهت حالهم حال من يعتقد ذلك. وقول المصنف: «وشنع عليهم» عطف تفسيري لقوله:

«فتهكم بهم» لأنهما ينبئان عن استفضاح الحال واستحقار الشأن إلا أن أصل الاستفضاح حاصل من اختيار لفظ «الند» على لفظ «المثل» و «الشبه» ونحوهما من حيث إنه ينبىء عن تشبيه حالهم بحال من يعتقد أن الأصنام قادرة على مخالفة الله تعالى ومضادته. ثم إنه لما ذكر بلفظ الجمع وهو الأنداد حصل زيادة التشنيع من حيث إنه ينبىء عن أنهم جعلوا أندادا لمن يمتنع أن يكون له ند واحد فضلا عن الأنداد، ولهذا أي ولأجل التهكم والتشنيع على من اعتقد تعدد الرب قال: «موحد الجاهلية» وهو زيد بن عمر. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو قبل أن ينزل عليه الوحي فقدم عليه الصلاة والسلام سفرة فيها لحم فأبى زيد أن يأكل منها ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أصنامكم ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه. كذا في صحيح البخاري. وكان قصي جد رسول الله صلى الله عليه وسلم من موحدي الجاهلية كزيد بن عمرو وكان ينهي قومه عن عبادة الأوثان ويدعوهم إلى عبادته تعالى. ولم يرد زيد بقوله: «أم ألف رب» خصوص هذا العدد بل أراد مجرد الكثرة تنبيها على أنه إذا ترك التوحيد الثابت بالدليل القاطع فلا فرق بين القول بالتثنية للمعبود وبكونه معدودا بأقصى مراتب الأعداد البسيطة من حيث اللفظ وهو الألف. وقوله: «أدين» أي أطيع من دان له أي

صفحه ۳۸۴