ما يطابقه وما يدل عليه أو ابتدائي لزيادة إضمار فيه وتقديم المعمول ههنا أوقع.
بعض النحاة فقال: تقدير الكلام بسم الله ابدأ القراءة مثلا. واستدل عليه بوجهين: الأول أن الابتداء أعم من خصوصيات تلك الأفعال وتقدير العام أولى من تقدير الخاص، ألا ترى أنهم يقدرون متعلق الظرف المستقر أي متعلق الجار والمجرور والواقع خبرا أو صفة أو صلة أو حالا فعلا عاما مثل الكون والاستقرار والحصول ويؤثرونه حيث ما وقع لعمومه، والثاني أن تقدير فعل الابتداء مناسب للغرض المقصود من التسمية فإن الغرض من التسمية أن تقع مبتدأ بها امتثالا لحديث الابتداء وتقدير فعل الابتداء أوفق له. وأجيب عن الأول بأن تقدير الفعل العام إنما يكون إذا لم توجد قرينة الخصوص وأما إذا وجدت فلا بد من تقدير فعل خاص عملا بمقتضى القرينة فإنك إذا قلت زيد على الفرس أو من العلماء أو في البصرة كان المقدر راكب ومعدود ومقيم عملا بالقرينة، وعن الثاني بأن معنى الابتداء بالبسملة إثباتها قبل الشروع في المقصود وهو حاصل سواء قدر ابدأ أو ما تجعل التسمية مبدأ له من الأفعال الخاصة والمصنف علل أولوية إضمار ما تجعل التسمية مبدأ له بالنسبة إلى إضمار ابدأ بقوله:
«لعدم ما يطابقه ويدل عليه» يعني أن متعلق حرف الجر لا يقدر فعلا خاصا إلا إذا تحقق هناك ما يكون من جنس ذلك الفعل الخاص ليطابق ذلك الفعل ويكون قرينة على تقديره بخلاف تقدير ابدأ فإن ما وقع بعد البسملة أعني النظم المقروء متعلق به فعل القراءة ومطابق لذلك الفعل من حيث اتحادهما في مأخذ الاشتقاق فتكون قرينة دالة على تقديره. ولقائل أن يقول: لا نسلم انتفاء ما يطابق المقدر على تقدير أن يكون الفعل المقدر ابدأ بناء على أن البسملة يتبعها المبدأ كما يتبعها المقروء فيصح تقدير كل واحد منهما بناء على وجود ما يطابقه، وتكون قرينة دالة على تقديره من غير فرق إلا أن يقال القرينة المعينة للمحذوف هو الفعل الوارد بعد البسملة، ومن المعلوم بشهادة الذوق السليم أن ذات الفعل هي القراءة دون البداءة فصح أن يقال لا وجه لتقدير ابدأ لعدم ما يطابقه ويدل عليه بخلاف تقدير اقرأ.
قوله: (أو ابتدائي) عطف على قوله ابدأ أي وإضمار اقرأ أولى من إضمار ابتدائي أيضا لزيادة إضمار فيه لأن الجار والمجرور يكون خبرا عن ابتدائي المقدور فيكون الظرف مستقرا ومقدرا بمتعلق عام تقديره ابتدائي حصل أو حاصل بسم الله مثلا. ولا شك أن المضمر حينئذ يكون أزيد من إضمار اقرأ مع أن في إضمار ابتدائي ما في إضمار ابدأ من عدم ما يطابقه، ويدل عليه ويعلم منه أنه أولى من إضمار قراءتي أيضا لتساويهما في زيادة الإضمار.
قوله: (وتقديم المعمول ههنا أوقع) أي أحسن وقوعا بالنسبة إلى تقديم العامل وهو جواب عما يقال لم قدر المحذوف مؤخرا مع أنه عامل في الجار والمجرور وحق العامل أن يقدم على معموله لأن المعمول إنما جيء به لاقتضاء العامل إياه والمقتضى مقدم على مقتضاه؟
صفحه ۳۲