حاشیه بر سنن ابی داود

Ibn Qayyim al-Jawziyya d. 751 AH
28

حاشیه بر سنن ابی داود

حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية)

ناشر

دار الكتب العلمية

شماره نسخه

الثانية

سال انتشار

1415 - 1995

محل انتشار

بيروت

ژانرها

فقه

فإنهم ينهون عن البول في هذه المياه وإن كان مجرد البول لا ينجسها سدا للذريعة

فإنه إذا مكن الناس من البول في هذه المياه وإن كانت كبيرة عظيمة لم تلبث أن تتغير وتفسد على الناس كما رأينا من تغير الأنهار الجارية بكثرة الأبوال

وهذا كما نهى عن إفساد ظلالهم عليهم بالتخلي فيها وإفساد طرقاتهم بذلك

فالتعليل بهذا أقرب إلى ظاهر لفظه ومقصوده وحكمته بنهيه ومراعاته مصالح العباد وحمايتهم مما يفسد عليهم ما يحتاجون إليه من مواردهم وطرقاتهم وظلالهم كما نهى عن إفساد ما يحتاج إليه الجن من طعامهم وعلف دوابهم

فهذه علة معقولة تشهد لها العقول والفطر ويدل عليها تصرف الشرع في موارده ومصادره ويقبلها كل عقل سليم ويشهد لها بالصحة

وأما تعليل ذلك بمائة وثمانية أرطال بالدمشقي أو بما يتحرك أو لا يتحرك أو بعشرين ذراعا مكسرة أو بما لا يمكن نزحه فأقوال كل منها بكل معارض وكل بكل مناقض لا يشم منها رائحة الحكمة ولا يشام منها بوارق المصلحة ولا تعطل بها المفسدة المخوفة

فإن الرجل إذا علم أن النهي إنما تناول هذا المقدار من الماء لم يبق عنده وازع ولا زاجر عن البول فيما هو أكثر منه وهذا يرجع على مقصود صاحب الشرع بالإبطال

وكل شرط أو علة أو ضابط يرجع على مقصود الشارع بالإبطال كان هو الباطل المحال

ومما يدل على هذا أن النبي ذكر في النهي وصفا يدل على أنه هو المعتبر في النهي وهو كون الماء دائما لا يجري ولم يقتصر على قوله الدائم حتى نبه على العلة بقوله لا يجري فتقف النجاسة فيه فلا يذهب بها

ومعلوم أن هذه العلة موجودة في القلتين وفيما زاد عليهما

والعجب من مناقضة المحددين بالقلتين لهذا المعنى حيث اعتبروا القلتين حتى في الجاري وقالوا إن كانت الجرية قلتين فصاعدا لم يتأثر بالنجاسة وإن كانت دون القلتين تأثرت وألغوا كون الماء جاريا أو واقفا وهو الوصف الذي اعتبره الشارع

واعتبروا في الجاري والواقف القلتين

والشارع لم يعتبره بل اعتبر الوقوف والجريان

فإن قيل فإذا لم تخصصوا الحديث ولم تقيدوه بماء دون ماء لزمكم المحال وهو أن ينهى عن البول في البحر لأنه دائم لا يجري

قيل ذكره الماء الدائم الذي لا يجري تنبيه على أن حكمة النهي إنما هي ما يخشى من إفساد مياه الناس عليهم وأن النهي إنما تعلق بالمياه الدائمة التي من شأنها أن تفسدها الأبوال

فأما الأنهار العظام والبحار فلم يدل نهي النبي عليها بوجه بل لما دل كلامه بمفهومه على جواز البول في الأنهار العظام كالنيل والفرات فجواز البول في البحار أولى وأحرى ولو قدر أن هذا تخصيص لعموم كلامه فلا يستريب عاقل أنه أولى من تخصيصه بالقلتين

صفحه ۸۱