في الجو نسيم رطيب، وذيول شابورة تتلاشى في المجهول، وفي الجنبات تتدفق حياة البشر. عما قليل سيلقى أباه. سيجده مستلقيا بلا غطاء. سيعاتبه بما له عليه من دالة.
واخترق القبو إلى الساحة. سبقته عيناه وهو يتأهب لملحمة اللقاء، ولكنه وجد المكان خاليا. جال ببصره فيما حوله في صمت وقهر. الساحة والتكية والسور العتيق ولا أثر لإنسان. في هذا الموضع يجلس العملاق عادة، فأين ذهب؟!
وألقى على التكية نظرة حانقة. هي شاهد لا يدلي بشهادته. وتساءل مرة أخرى: «أين ذهب؟!»
4
لعله يجد الجواب عند غسان أو دهشان أقوى مساعدين للرجل، ولكنهما تلقيا السؤال بعجب، وقالا إنه يذهب إلى الساحة قبيل منتصف الليل فيمكث ساعة أو أكثر، لا يتقدم ولا يتأخر. وسأل شمس الدين: ألم يكن هناك ميعاد به ارتبط؟
فنفيا علمهما بأي شيء عدا ما ذكر.
وبعد تردد قصد شيخ الحارة محمود قطائف فتلقى الرجل الخبر بدهشة، وراح يفكر ويفكر، ثم قال: لا تقلق لغياب الأسد، عذره معه، وسيرجع قبل الضحى.
5
وخذلت فلة إرادتها فهتفت: أفزع إليك يا ربي من قلبي ومخاوفه!
وجلس شمس الدين بين رجال أبيه في القهوة يتناقشون وينتظرون، ينظرون نحو القبو تارة، ونحو مدخل الميدان تارة أخرى. وانتشرت سحائب الخريف مفضضة بالنور المستتر. وانتصف النهار ولم يظهر لعاشور أثر. عند ذلك تفرق الرجال في شتى الأنحاء وراء شهادة أو خبر. وعرفت الحارة الواقعة فاشتعلت بها، وشغلت بها عن الرزق والكدح.
صفحه نامشخص