حقا لقد جاء ضياء في وقت غير مناسب؛ إذ كان عاشور يتوثب - بعد عناء طويل - للخطوة الحاسمة.
45
وذات يوم عجيب، والحارة تعاني حياتها اليومية المألوفة الكئيبة، والشتاء يولي مودعا، انحدر من تحت القبو رجل. عملاق الهيكل، يرفل في جلباب أزرق وطاقية بنية وبيده نبوت. سار بهدوء وثقة كأنه راجع من غيبة ساعة لا بضع سنين. رآه أول من رآه محمد العجل فمد إليه عينيه بذهول وتمتم: من؟ عاشور!
فقال له عاشور بهدوء: سلام الله عليك يا عم محمد.
سرعان ما شخصت إليه الأبصار بدهشة، من الدكاكين والنوافذ وأرجاء الحارة شخصت إليه. لم يلق بالا إلى أحد، وشق طريقه إلى المقهى.
وكان حسونة السبع متربعا فوق أريكته، وفي حاشيته جلس يونس السايس شيخ الحارة والشيخ جليل العالم شيخ الزاوية. دخل عاشور المقهى فاتجهت نحوه الأعين في ذهول. أما هو فمضى إلى ركن وهو يقول: السلام عليكم.
لم يسمع ردا. وواضح أن الفتوة انتظر منه تحية خاصة مشفوعة باستعطاف، ولكنه مضى إلى مقعد بلا مبالاة وجلس. سرعان ما توقع الناس أحداثا. ولم يطق السبع صبرا فسأله بخشونة: ماذا أرجعك يا ولد؟
فأجاب بهدوء: لا بد يوما أن يعود الإنسان إلى حارته.
فصاح به: ولكنك طردت منها منبوذا ملعونا.
فقال عاشور بهدوئه المطمئن: كان ظلما ولا بد للظلم من نهاية.
صفحه نامشخص