هذه الحال، لان المسلمين إذا رأوا المشركين على هيئتهم وصحيح عدتهم، فليس في ذلك آية تدل على الاختصاص لهم، والتمييز من غيرهم، (فمن) (1) زعم أن الآية في هذا غلبة القليل الكثير، فقد أبطل أيضا، لأنه كثير ما يغلب العدد القليل العدد الكثير.
وإنما الصحيح أن يكون وجه الآية من هذا ان المشركين كانوا تسعمائة وخمسين رجلا، وكان المسلمون ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا، فأرى الله سبحانه المسلمين أن عدة المشركين ستمائة وكسر، وأرى الله المشركين أن المسلمين أقل من ثلاثمائة، والله سبحانه قد قدم إعلام المسلمين أن المائة منهم تغلب المائتين، فأراهم تعالى عدة المشركين على القدر الذي أعلمهم أنهم يغلبونهم - إذا كانوا عليه - لطفا لهم وتقوية لقلوبهم، وأرى الله سبحانه المشركين المسلمين أقل من العدة التي كانوا عليها في الحقيقة، والقى مع ذلك الرعب في قلوب المشركين، فكانوا يرون العدد قليلا ويحسون الرعب كثيرا، فكان سببا لضعف (منهم) (2) وانحلال عقدهم.
والدليل على صحة هذا القول قوله سبحانه: (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا)، فهذا موضع الآية المعجزة: ان رأى كلا الفريقين كل واحد منهما على خلاف صورته، وعلى نقصان من عدته ، ليتم الغرض المقصود بذلك).
صفحه ۳۸