حسن منه أن ينسب جميع ما ذكرنا إليها، لما اعتقد أنها سببه ومن أجلها كان همه وقلقه، وهذا بين كما ترى.
وقد قال قائل آخر في ذلك: إن أصل لفظ الزيغ في اللغة: مأخوذ من العدول عن الشئ، ألا ترى إلى قوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/53/17" target="_blank" title="النجم: 17">﴿ما زاغ البصر وما طغى﴾</a> (1)، إنما أراد سبحانه به: أن البصر ما عدل عن رؤية جبرئيل (1) عليه السلام، بل أثبته إثباتا جليا، وعرفه عرفانا حقيقيا! وقال سبحانه:
(ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير) (2) أي: من عدل عن أمرنا، وقال لبيد بن ربيعة في ذلك:
وأحب المجامل بالجميل، وصرمه * باق إذا ضاقت وزاغ قوامها (3) أي: إذا عدلت النفس عن سنن الاستقامة، فلما كان الزائغ هو العادل عن الشئ، وكان الله سبحانه عادلا بالكفار عن روحه ورحمته وثوابه وجنته، من أجل عدولهم عن طاعته واتباع ما أمر به من عبادته، كان مزيغا لقلوبهم، وحسن اختصاص القلوب بذلك، لما تقدم من الكلام، ولو كان الله تعالى قال: فلما زاغوا عن الحق أزغناهم عنه، أو لما شكوا في الدين زدناهم تشكيكا فيه، لكان لقائل مقال ولطاعن مجال، فأما وليس في الكلام بيان الامر الذي أزاغهم عنه، فيجب رجوعنا إلى الأدلة التي تدل على المعنى الذي يجوز في حكمته تعالى ان يعدل
صفحه ۲۸