هميان الزاد إلى دار المعاد

قطب اطفیش d. 1332 AH
253

هميان الزاد إلى دار المعاد

هميان الزاد إلى دار المعاد

ژانرها

{ ومن يكفر به } أى بالكتاب بأن حرفه أو جحده أو زاد أو نقص فيه، أو كذب بما يصدقه، فإن التوراة تصدق القرآن، وفى هذه الهاء الأوجه المذكورة فى هاء يؤمنون به. { فأولئك هم الخاسرون } فى اعتقادهم وقولهم وفعلهم، إذ تركوا الإيمان الذى به دخول الجنة ورضا الله، وأخذوا الكفر الموجب لدخول النار وسخط الله سبحانه وتعالى، ولا يخفى خسران من استبدل النعمة الدائمة بالعذاب الدائم، ودخل بالمعنى فى هذا الوعيد للفاسق من أهل التوحيد، ولو كان أقرأ الناس بكتاب الله وأعلمهم به، قال شيخ من المالكية مثل العلم القليل فى الرجل الصالح، مثل العين العذبة فى الأرض العذبة، يزرع عليها صاحبها ما ينتفع به، ومثل العلم الكثير فى الرجل غير الصالح، مثل العين الحرارة فى السبخة تخر الليل والنهار ولا ينتفع بها.

[2.122]

{ يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم } أراد بالنعمة كل ما أنعم به عليهم من تنجية أبائهم من فرعون وغير ذلك، وقد تقدم فى أوائل السورة، فهى جنس ما أنعم عليهم. { وأنى فضلتكم } عطف لمصدر فضل على نعمتى على حذف مضاف، أى تفضيلى آباءكم. { على العالمين } أى على ناس زمانهم، أو على الناس عموما ما خلا هذه الأمة، بدليل أن موسى نفسه، صلى الله عليه وسلم، دعى أن يكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لما وجد أن الأمة التى صفتها كذا وكذا هى أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا أمته

ولك الأمة التى غبطتها بك لما أوتيتها الأنبياء

[2.123]

{ واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا } الجملة نعت يوما، والرابط محذوف، أى خافوا يوما لا تدفع فيه نفس عن نفس، ولو كانت صاحبة لها، أو رحما شيئا من العذابن أو لا تنفعها فيه شيئا من النفع، أو احذروا هول يوم لا تجزى فيه نفس عن نفس شيئا، بأن تؤمنوا وتعملوا الصالحات، وتتركوا التحريف. { ولا يقبل } فيه. { منها } أى من النفس. { عدل } أى فداء أو قضاء الفرائض. { ولا تنفعها شفاعة } لعدمها هناك، فالمراد هنا لا شفاعة تنفعها، فالشفاعة هنالك منتفية من أصلها، وليس المراد أن هنالك شفاعة لا تقبل، وإنما ساغ ذلك، لأن القضية السالبة تصدق بنفى الموضوع، كما تصدق بنفى المحمول، فكما تقول ليس زيد قاعدا فى السوق، ويريد أنه فيها لكنه قائم، كذلك تقول ليس زيد قاعدا فيها، وتريد أنه ليس فيها أصلا وذلك مخصوص بالشرك، فإنه لا شفاعة له هنالك إلا شفاعة القيام لدخول النار، ولا نفع له فى دخول النار، وإنما الشفاعة للموحد التائب. { ولا هم ينصرون } من عذاب الله ما لكم لا تناصرون، بل هم اليوم مستسلمون، وفى ذلك رد على اليهود، إذ زعموا أن آباءهم يشفعون لهم، وقد تقدم ذلك فى أوائل السورة، فإن الكلام فيهم. وفيهم مع غيرهم، من قوله تعالى

يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم

. إلى قوله { ولا هم ينصرون } ، فختم الكلام فيهم بما بدأه به زيادة فى النصح.

[2.124]

{ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } إذ معمول لمحذوف، أى اذكر إذ ابتلى، أو اذكر الواقع إذ ابتلى، فهى مفعول به للذكر أو ظرف للواقع، وهكذا فى مثل ذلك، ويجوز تعليقه، يقال من قوله { قال إنى جاعلك للناس إماما } أو بمحذوف مثل اجتهد، أو كان كذا أى وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات اجتهد، أو كان له الفوز، ونحو ذلك. أو يقدر كان له الفوز ونحوه بعد فأتمهن، ويقدر اجتهد ونحوه قبله، والابتلاء افتعال من البلاء فهو التكليف بالأمر الشاق، ولما كان يلزم من التكليف به، فى الجملة ظهور ما يقبل، أو يرد ممن يكلف به يسمى اختبارا، وفسر به تسمية مجازية بالنسبة إلى من علم حاله بدون ذلك التكليف، كما أن الله عالم حال إبراهيم وغيره قبل وقوعها، وكما يعلم الإنسان حالة الشئ فيعامله معاملة المختبر ليظهر لغيره ما ظهر له، وتسمية حقيقة بالنسبة إلى من لم يعلم حاله، فليس الابتلاء والاختبار مترادفين، كما ظن بعضهم، بل التكليف أعم منه، لأنه يكون اختبارا وغيره، كما إذا كلفت عبدك بخدمة شئ بدون أن تقصد بتكليفه معرفة حاله، والتكليف يعم الأمر والنهى وفى كل من الاختبار بالموحدة والتكليف التمكين من اختبار الأمة الذى أراد المكلف بكسر اللام والذى أراد المكلف بفتحها وعلى حسب ذلك يجازى باختيار الله عبده تمكينه من اختبار أحد الأمرين، ما يريد ا لله وما يشتهيه العبد، كأنه يمتحنه ما يكون منه فيجازيه عليه، وما ذلك إلا ليظهر سابق علمه تعالى فيه، وقد روى عن على فى قوله تعالى

صفحه نامشخص