كان قد فصل جهاز «الميميكس» هذا الصباح، وبقي الجهاز خامدا، داخل واحدة من حاويتيه المقاومتين للصدمات والمصنوعتين من الألياف والألومنيوم، جاهزا للنقل. أما الصندوق الآخر فاحتوى على صناديق الذاكرة التي تضم سجلات فرع شركة سينتراكس في ميانمار.
حين يعودان إلى الوطن، سيعلم جونزاليس جهاز «الميميكس» بآخر الأخبار عن جروسباك، وكيف أنه فقد السيطرة على نفسه في اللحظة الأخيرة. كان جونزاليس واثقا من أن جهاز «الميميكس» سيشاركه الرأي حول فساد جروسباك حتى النخاع وهلعه الشديد من أن يكتشفا ذلك. •••
عند حافة حقل رملي جنوب باجان، انتظر جونزاليس طائرته. كان يرتدي زي السفر الدولي المعتاد لديه؛ بذلة سمراء من قطعتين من القماش الجبردين، وتحتها قميص كتاني أبيض ذو ياقة مفتوحة، وحذاء بنيا من النوع الذي لا يحتاج إلى ارتداء جورب تحته. كان قد جمع شعره على هيئة ذيل حصان وربطه بحلقة فضية مصنوعة من حلي على شكل سحالي يتصل رأس كل منها بذيل الحلية التالية لها. وإلى جواره استقرت حقيبة جلدية بنية لينة وحاويتان مقاومتان للصدمات.
أمامه ظهر معبد باجودا ذو أبراج متدرجة تعلوها قمة مستدقة مذهبة ومزينة بالأحجار الكريمة تشير إلى السماء. جلس على درجاته، وإلى جوار كف ضخم لأسد حجري، راهب في وضعية اللوتس، وكان وجهه يغطيه ظل تمثال الحيوان الضخم المكتنز الذي تظهر ملامح وجهه تعبيرات غضب ضار. كان جانبا الحيوان مصبوغين بلون برتقالي بفعل غروب الشمس، بينما كانت شفتاه ملطختين بلون الدم الجاف. مرت دقائق، وسمع دمدمة الراهب، بينما كان وجهه غارقا في الظلال.
ثم سمع صوتا يقول: «تعال في جولة بين معابد مدينة باجان العتيقة. شويزيجون، أناندا، تاتبيينو ...» «فلتحلي عني.» هكذا قال جونزاليس مخاطبا عربة الجولات السياحية التي جاءت من خلفه. كانت هذه العربات تحمل نحو اثني عشر سائحا في ثمانية صفوف من المقاعد الخشبية الضيقة، لكنها كانت الآن خالية؛ إذ كان جميع السياح تقريبا قد لحقوا بالجمهور المحتشد على مصاطب معبد تاتبيينو؛ حيث يمكنهم مشاهدة غروب الشمس فوق سطح المعبد.
قالت العربة: «إنها آخر جولة اليوم. وهي رخيصة للغاية، كما أننا نقدم أسعار تحويل عملات جيدة للغاية إكراما منا للزائرين.»
كانت تريد استبدال عملات الدولار أو الين بالكيات؛ ففي ميانمار حتى الآلات كانت تعمل في السوق السوداء. رد قائلا: «كلا، أشكرك.» «أسعار جيدة للغاية يا سيدي.»
قال جونزاليس: «اغربي عني! وإلا سأبلغ بأنك معطوبة.» تحركت الآلة مبتعدة وهي تصدر أزيزا.
شاهد جونزاليس راهبا شابا يراقبه على الجانب الآخر من الطريق، ويتأهب للقدوم نحوه كي يتسول بعض الأقلام أو المال. نظر جونزاليس في عيني الراهب وهز رأسه نفيا. هز الراهب كتفيه وواصل المشي، ورداؤه البرتقالي يتموج.
أين الطائرة بحق الجحيم؟ بعد وقت قصير ستشق شعلات الصيادين السماء المظلمة ذات الهلال الوليد، وستندفع الدرونات الحكومية حول حواف الظلال وكأنها وطاويط عملاقة طافرة. كان الجزء الأوسط من ميانمار على شفير الوقوع في الفوضى؛ إذ يحيط به خليط عرقي من أبناء مناطق كارين وكاشين وشان ذات الاتجاهات السياسية المتعددة، وكلها شرسة وتزدري الحكومة المركزية. كان هؤلاء يقاتلون باستخدام أي سلاح يجدونه، من العصي المدببة إلى الصواريخ المحمولة على الظهر ، وكانوا لا يستسلمون حتى الموت.
صفحه نامشخص