شاهد جونزاليس تقدم المصعد على شاشة مضيئة تعلو الباب. وحين توقف المصعد، وقف جونزاليس في صمت، شاعرا بالبهجة لوجوده في جاذبية شبه صفرية، مستعدا للتحليق. خطا عبر الباب واتبع الأسهم على امتداد رواق قصير له جدران وسقف من الصلب الخالص وأرضيته مغطاة ببساط واق رفيع، مثل الجزء الداخلي لسفينة. بدت قدماه على استعداد للارتفاع عن الأرضية.
أخذت أضواء السقف تتذبذب في بطء؛ بحيث تظلم، وتتغير ألوانها إلى الأزرق والأحمر ثم إلى الأصفر مجددا، ويزداد سطوعها ... وتناهى إلى مسامعه بالكاد صوت نغمة موسيقية. توقف جونزاليس مفتونا. كم هي جميلة هذه الأشياء الصغيرة؛ كانت هالو عامرة بمفاجآت العجيبة، يراها المرء حين يمعن النظر.
قال صوت: «نرجو اختيار حذاء الجاذبية.» ورأى جونزاليس ما بدا وكأنه مئات من الأحذية السوداء المرنة الملصقة على الحوائط بفضل نعالها المصنوعة من الفيلكرو. أخذ أحدها وارتداه فوق حذائه، ثم شد الأربطة. كانت أصابعه كبيرة، وكأنها قطع نقانق خدرة في نهاية ذراعين طويلتين للغاية.
دخل غرفة دائرية مكتوبا عليها «الفاصل الدوراني» ومشى نحو المركز الساكن للعالم الآخذ في الدوران. وبينما كان يتحرك إلى الأمام بحذر شديد في الجاذبية شبه الصفرية، كانت قدماه تلتصقان بالتتابع بسطح الممشى، وتنفصلان عنه مصدرة صوت تمزق خفيف.
تحرك صوب الحاجز ونظر إلى المساحة المفتوحة للبوابة الصفرية. كانت مفتوحة إلى الخارج على نحو أرحب وأرحب، إلى أن شعر وكأن اتساع الكرة الشاسعة يضغط على صدره.
كان الناس يطيرون هنا، كان يعلم ذلك، لكنه لم يتخيل كم سيكون منظرهم جميلا، عشرات منهم يتدلون من أجنحة مدعومة لها ألوان عشرات أقواس قزح. كان غالبية الطائرين يرتدون ملابس تتوافق ألوانها مع ألوان أشرعتهم، وكانوا يتراقصون كالفراشات عبر السماء، ينادي بعضهم على بعض، وكانت أصواتهم هي الأصوات الوحيدة التي تتردد هنا، تصرخ بالتحذيرات والنوايا.
وفجأة انهار جناحا أحد الطائرين حين علق بقدمي شخص طائر آخر، وأخذ الرجل ذو الجناحين المعطلين يتقلب في الهواء في حركة تشبه الحركة البطيئة، جاذبا أشرطة جناحيه وهو يسقط. أراد جونزاليس أن يصرخ. مال فوق الحاجز كي يشاهد الشخص الطائر وهو يتكور على شكل كرة، وقدماه موجهتان نحو الجدار المقابل له، ثم يرتطم بالجدار ويبدو كما لو كان يغوص في سطحه المبطن بعمق.
أمسك الرجل بكسوة الجدار المضمومة وشق طريقه إلى ممشى يمتد عبر منفسح البوابة الصفرية أمام جونزاليس مباشرة تقريبا، وجذب نفسه ليعبر الحاجز. بعد ذلك وقف ولوح بيده. هلل الطائرون الآخرون، وكانت أصواتهم ترتفع وتنخفض في ترنيمة إيقاعية بكلمات لم يستطع جونزاليس أن يفهمها.
قال صوت ما: «إذا لم يكن لديك تصريح بالطيران، فمن فضلك أمن نفسك بأحد حبال الأمان.» فكر جونزاليس في نفسه وهو شبه يائس: «كلا، ليس لدي تصريح.» لم يكن يفهم كيف يطير؛ ما هو خطير وما ليس كذلك. نظر خلفه ورأى أطراف كلاليب تثبيت من الكروم موزعة حول الجدار، فذهب نحوها وجذب واحدة. تدلى منها حبل أمان إلى أن توقف ولف الحبل حول خصره وثبت الإبزيم فيه.
فجأة شعر بنفسه يسقط. كانت عيناه تخبرانه أنه يقف والحبل ملتف حوله، لكنه كان مرتبكا بفعل الحركة الدائبة للطائرين في الهواء من حوله، وشعر أن لا شيء يبقيه على الأرض (لم يكن ثمة أرض)، ولا شيء يمكن أن يمنعه من السقوط في هذا الأخدود السماوي، تلك الهوة.
صفحه نامشخص