هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
ژانرها
هكذا تكلم زارا ...
القراءة والكتابة
إنني أستعرض جميع ما كتب، فلا تميل نفسي إلا إلى ما كتبه الإنسان بقطرات دمه. اكتب بدمك فتعلم حينئذ أن الدم روح، وليس بالسهل أن يفهم الإنسان دما غريبا، إنني أبغض كل قارئ كسول؛ لأن من يقرأ لا يخدم القراءة بشيء، وإذا مر قرن آخر على طغمة القارئين فلا بد من أن تتصاعد روائح النتن من التفكير.
إذا أعطي لكل إنسان الحق في أن يتعلم القراءة، فلن تفسد الكتابة مع مرور الزمان فحسب، بل إن الفكر نفسه سيفسد أيضا .
لقد كان الفكر فيما مضى إلها فتحول إلى رجل، وها هو ذا الآن كتلة من الغوغاء. إن من يكتب سورا بدمه لا يريد أن تتلى تلك السور تلاوة، بل يريد أن تستظهرها القلوب.
إن أقرب الطرق بين الجبال إنما هو الخط الممتد من ذروة إلى ذروة، ولا يمكنك أن تتبع هذا السبيل؛ إذ لم تكن لك رجلا مارد. يجب أن تكون التعاليم شامخة كهذه الذرى، وأن يكون لمن تلقن لهم قوة الجبابرة وعظمتهم.
لقد رق النسيم وصفا، وهذه المخاطر تحدق بي عن كثب، وفكرتي تتخطر مرحة في قسوتها، أمامي الصراط الممهد فلأتخذن من الجن أتباعا، أنا رب الجسارة والعزم، ومن توصل بأقدامه إلى طرد الأشباح لا يصعب عليه أن يخلق من الجن له أتباعا.
لقد تاقت شجاعتي إلى الضحك، وقد انقطع كل حبل بيني وبينكم. إن السحب المتمخضة بالعواصف لهي سحبكم السوداء الثقيلة وأنا أهزأ الآن بها.
إنكم تنظرون إلى ما فوقكم عندما تتشوقون إلى الاعتلاء، أما أنا فقد علوت حتى أصبحت أتطلع إلى ما تحت أقدامي، فهل فيكم من يمكنه أن يضحك وهو واقف على الذرى؟
من يحوم فوق أعالي الجبال يستهزئ بجميع مآسي الحياة، ويستهزئ بمسارحها، بل بالحياة نفسها.
صفحه نامشخص