فصرخ في: «ما نتش عارف مين العدوين؟! حد ما يعرفش العدوين؟! دا أبو باع طويل ومدد واسع هو اللي هزمهم، يا بو مدد واسع، شالله يا اهل الله، شالله يا سلطان حامد، يا هازم الكفرة، مدد يا حبيبي يا سلطان، مدد على طول الماداد ماداد!»
وكان صوته قد ارتفع حتى قارب الأذان، ومضى يقول وحنجرته الكبيرة تتلاعب هابطة صاعدة بارزة كالورم من رقبته الطويلة: «ماداد يا سلطان يا بو مدد واسع، ماداد على طول المدد، ماداد يا بو مقامات عالية في مصر وسوهاج وأشمون وكل البر، الناس لها مقام واحد وأنت ليك ألف، يا حبيبي مداد.»
ولم نجرؤ على قطع الروحانية التي انتابته وكان واضحا أنه لا يهلوس كما يفعل المجاذيب في الموائد، كان يبدو صادقا ويبكي بكاء حقيقيا.
وحين هدأ واطمأننت إلى أن هدوءه دائم عدت أسأله، وأدهشني أنه راح يجيبني كالمغلوب على أمره وبصوت يحفل بالندم والتوبة، ولكن إجاباته لم تشف غليلي، وقال شيئا كهذا: «لما الغزاة العدوين هجموا على مصر، قام لهم السلطان حامد، وأصحابه، وقال لهم والله ما تدخلوا إلا على جثتي.
بصوا العدوين لقوه بجلابية استهتروا بيه، طلع له واحد منهم ورفع عليه سيفه شد منه السيف وتناه، جه العدو يزقه فحس أن الجبل يتحرك وهو لم يتحرك عن مطرحه قيراط، طلع له عشرة يزقوا فيه ما ينزق، بص قائدهم لقي رجليه غارزة في تراب البر ورأسه محصله عند عنان السماء وبيقول: «والله لو جبتوا قد جيشكم ده آلافات ما تقدر جيوش الدنيا كليتها تلحلحني عن تراب البر»، فضلم يفكروا يعملوا إيه في غريمهم ده، نط عجوز منهم وقال لهم: أنا لفيت الطريق يا رفاقه، وعرفت أجيب داغه، قالوا: ازاي؟ قال دا جسمه طاهر ما يأثر فيه السيف طول ما هو طاهر ما ياخد السلاح فيه إلا لما يتنجس، قالوا: ازاي؟ قال أنا الكفيل، أنا ح بول لكم على رجله أنجسها، والشاطر اللي ورا بولي يضرب بالسيف، وقف العجوز النجس يبول على رجله ومن وراءه سيف غدار ضرب ضربة طير الرجل، قال لهم سلطاننا حامد: «وإيه يعني؟! دي رجل راحت ولسه ليه رجل.» ورجع خطوة، وبالطريقة هياها قطعوا له إيد، ضحك وقال لهم: «ما لسه لي إيد! والله يا كفار يا عدوين، لأوريكم، ولم أخلي فيكم إيد ماسكة إيد!» وفضل العجوز النجس يتبول والسيوف وراه تندب، وجسمه الطاهر في كل بلد ان دارت فيها الحرب يتقطع واللي غفل عنه العدوين ان كل حتة انقطعت كانت بتكبر وتبقى راجل يحارب الكفرة ويهجم على العدوين ويقول أنا ابن أبونا حامد، أنا السلطان، أنا اللي ح وريكم نجوم حمرا في عز الضهر! وقطعوه قطع ملايين، وكل قطعة بقت راجل، ولما حصلوا رأسه كانوا حصلوا الشام، وكانوا ولاده بقم آلافات، قاموا على العدوين وكل واحد يتلم على واحد ويشيله من فوق راسه ويرميه في قاع البحر.
ولما خلص العدوين واتنضف البر قال: «نحمدك يا رب!» وطلع منه سر الإله على طول.»
ونام الرجل فجأة.
وجدت رأسه يسقط على صدره وشخيره يتصاعد بلا سابق إنذار.
ولم أكد أستعيد حكايته لأفكر فيها وأستعيد التاريخ لأخمن من يكون «العدوين» حتى وجدت رأس الرجل ذا العمامة الحمراء يرتفع مرة واحدة وصاحبه يقول وكأنه يتكلم وهو نائم: «وحد الله، سيبك! قول: يا باسط، اللي يزرع الجميل عمره ما يحصد غدر، والناس ما بتنساش، قدم لهم السبت تلاقي ألف حد قدامك، وكله فدا السلطان، ماداد يا سلطان يا حبيبي على طول المدد ماداد!»
7
صفحه نامشخص