أما الذوق اليوناني فقد نظر إلى التكوين المتين وميزه على التكوين الرشيق، فكان وسطا بين المثل الأعلى لجمال المرأة عند العرب والمثل الأعلى لجمالها عند المعاصرين.
وقد تلتقي الأذواق إذا تركنا المثل الأعلى جانبا، ونظرنا إلى الأمثلة الشائعة في عصور الحضارة عند هذه الأمم جمعاء.
فالترف وحب الظهور بالوفر والراحة قد حبب إلى العرب نماذج البضاضة والرخاصة، فوصفوا لنا أحيانا مثلا من الجمال الكسل المتثاقل يعاب في الذوق السليم.
واليونان قد حفظوا لنا تماثيل رشيقة لجسم المرأة؛ لأنهم مزجوها بالرشاقة الغلامية التي كانوا يحمدونها في أجسام فتية الرياضة وألعاب الفروسية.
ومجاميع الصور المشهورة في العصر الحاضر لا تستغني فيما تعرضه بين حين وحين عن نماذج العرب ونماذج اليونان.
ومن الواجب على كل حال أن نذكر أن الجسم الجميل غير الجسم اللذيذ وغير الجسم الصحيح وغير الجسم القوي وغير الجسم النافع؛ لأن الجسم قد يكون نافعا أو قويا أو صحيحا أو لذيذا وهو في كل ذلك غير جميل.
قيل لبعض الحكماء: إن فلانة كبيرة البطن ضخمة الثديين، فقال: «نعم، حتى تدفئ الضجيع وتروي الرضيع.» فهذا وصف صادق للجسم النافع ولكنه لا يستلزم جمال الجسم الموصوف، كما يقال: إن هذا الكساء يدفئ صاحبه ويعيش سنوات ولا يستلزم ذلك جماله فيما يكون به جمال الكساء.
ووصفت في الشعر العربي وأشعار الأمم كافة نماذج من الأجسام المشتهاة، كما مثلت هذه الأجسام كثيرا في الصور والتماثيل.
فإذا كان هذا وأشباهه وصفا لشيء فهو وصف للجسم الشهي أو الجسم اللذيذ، وليس بوصف للجسم الجميل على اعتبار الجمال معنى من المعاني التي تقاس بالإدراك، كما يقاس معنى البيت البليغ، ومعنى الصورة البارعة، ومعنى التمثال المتقن، ومعنى الخيال المجرد، ومعنى الحلم البعيد.
ولا ننسى أن الجسم الجميل يشتهى، ولكننا نريد أن نذكر من ينسى أنه ليس بالجميل لأنه مشتهى أو مرض للغريزة الجنسية، بل هو جميل لمطابقته معنى الجمال في الإدراك، وهو الحرية الموزونة.
صفحه نامشخص