والرجال في تفضيل الجسم الشهي أو الجسم اللذيذ مذهبان مختلفان: رجل عنده عادة الاستحسان كعادة التدخين، فهو يألف طرازا واحدا من المرأة كما يألف المدخن لفيفته المعهودة، فلا يغيرها ولو كان الخلاف بينها وبين غيرها كالخلاف بين علامة الجمل وعلامة الخلطة السعيدة، وهما من أصل واحد!
فهذا الرجل إذا استحسن المرأة الطويلة لم تعجبه القصيرة، ولو كانت لها ملاحة ونضارة ومتعة وحلاوة.
وإذا استحسن السمراء لم تعجبه البيضاء، أو استحسن بنت العشرين لم تعجبه بنت الثلاثين، أو استحسن المصرية لم تعجبه الإنجليزية أو الروسية، وهما معجبتان.
والمذهب الآخر في تفضيل الجسم الشهي أن يستحسن الرجل النساء كما يستحسن الفاكهة أو كما يستحسن صحاف الطعام، والمعول على صناعة الطاهي وغواية الأوان.
فالتفاح مقبول، والبرقوق كذلك مقبول، والتين لا يرفض والجميز لا يعاف ، والشواء مستطاب، والسمك المملح له وقت يجوز اشتهاؤه فيه! •••
وتنبغي التفرقة على كل حال بين هذه الأجسام حين ينظر إليها اللذة وهذه الأجسام حين ينظر إليها للجمال.
لأن الجميل واللذيذ قد يتفقان، ولكن الجمال واللذة قد يتناقضان، فتكون اللذة تغليبا لجسد ويكون الجمال تغليبا لمعنى، وهو كذلك في كل مظهر وفي كل حال.
فالجسم الجميل هو الذي تتزن فيه وظائف الحياة بغير زيادة ولا نقصان؛ لأن الزيادة فضول غير مطلوب يشير إلى دافع واغل لا تستدعيه وظائف الحياة، ولأن النقصان آفة مكروهة تشير إلى تقصير وتقييد.
وآية الجسم الجميل أن تنهض أعضاؤه حرة سلسة ميسورة الحركة لا ترى عضوا منها عالة على سائر الأعضاء، يخيل إليك أن كل عضو فيه يحمل نفسه غير محمول على سواه.
ومن هنا جمال الرأس الطامح، والجيد المشرئب، والصدر البارز، والخصر المرهف الممشوق، والساق التي يبدو لك من خفتها وانطلاقها واستوائها أنها لا تحمل شيئا من الأشياء، ولا تنهض بعبء من الأعباء.
صفحه نامشخص