ولعشر سنين من مبعثه الكريم؛ خصّه الله بالإسراء العظيم، فسار وجبريل مصاحب له إلى أعلى السّماوات العلى، وجاوز سدرة المنتهى، وشرف بالمناجاة في المقام/ الأسنى، ونال من القرب ما ترجم عنه: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى [سورة النّجم ٥٣/ ٩] .
ثمّ هاجر إلى دار هجرته، ومأوى أنصاره وأسرته، فسلّ سيف الحقّ من غمده، وجاهد في سبيل الله غاية جهده، حتّى فتح الله له أقفال البلاد، ومكّنه من نواصي العباد «١»، وأظهر دينه على الدّين كلّه.
ثمّ توفّاه عند حضور أجله، إلى ما أعدّ الله له في جنّات النّعيم، من الكرامة والفوز العظيم.
فسبحان من حباه بأنواع الإكرام، وأرسله رحمة لجميع الأنام، وجعله سيّد ولد آدم ومعوّلهم، وخاتم النّبيّين وأوّلهم، ونسخ بشرعه الشّرائع، وملأ بذكره المسامع، وشرّف برسالته المنائر «٢» والمنابر، وقرن ذكره بذكره في لسان كلّ ذاكر، وذلّل كلّ صعب لطلّابه، وأمدّه بملائكته الكرام تجاهد في ركابه.
نسأل الله تعالى الّذي أكرمنا بظهوره، وأخرجنا من ظلمات الكفر بنوره: أن يجعلنا وإيّاكم ممّن شملته برحمته العناية، ولا حظته في جميع أحواله عين الرّعاية. وأن يشرّفنا في هذه الدّنيا بطاعته، واتّباع سنّته، واغتنام زيارته، ويحشرنا يوم القيامة في شفاعته وزمرته.
_________
(١) النّواصي: النّاصية؛ مقدّم الرّأس.
(٢) المنائر: الماذن. وتجمع المنارة على القياس منارات، وعلى غير قياس: منائر.
1 / 57