وَلَيْسَ بمكتسب وَلَا ضرورى لقَوْله تَعَالَى ﴿أحَاط بِكُل شَيْء علما﴾ ﴿وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا يعلمهَا وَلَا حَبَّة فِي ظلمات الأَرْض وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين﴾ ﴿عَالم الْغَيْب لَا يعزب عَنهُ مِثْقَال ذرة فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض وَلَا أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر إِلَّا فِي كتاب مُبين﴾ وأطبق الْمُسلمُونَ على أَنه تَعَالَى يعلم دَبِيب النملة السَّوْدَاء على الصَّخْرَة الصماء فِي اللَّيْلَة الظلماء وَأَن علمه مُحِيط بِجَمِيعِ الْأَشْيَاء جملَة وتفصيلا وَكَيف لَا وَهُوَ خَالِقهَا وَقد قَالَ تَعَالَى ﴿أَلا يعلم من خلق﴾ وَقَول النَّاظِم جعل مبْنى للْمَفْعُول أَو للْفَاعِل وَقَوله شَمل بِكَسْر الْمِيم وبجوز فتحهَا (مُنْفَرد بالخلق وَالتَّدْبِير أى أَنه تَعَالَى مُنْفَرد باختراع الْأَعْيَان والْآثَار والجواهر والأعراض لَا يخرج حَادث عَن أَن يكون مخلوقا لَهُ فأفعال الْعباد الاختيارية وَاقعَة بقدرة الله تَعَالَى وَحدهَا وَلَيْسَ لقدرتهم تَأْثِير فِيهَا بل الله تَعَالَى أجْرى عَادَته بِأَن يُوجد فِي العَبْد قدرَة واختيارا فَإِذا لم يكن هُنَاكَ مَانع أوجد فِيهِ فعله الْمَقْدُور مُقَارنًا لَهما فَيكون فعل العَبْد مخلوقا لله تَعَالَى إبداعا وإحداثا ومكسوبا للْعَبد وَالْمرَاد بِكَسْبِهِ لَهُ مقارنته لقدرته وإرادته من غير أَن يكون مِنْهُ تَأْثِير أَو مدْخل فِي وجوده سوى كَونه محلا لَهُ وَهُوَ مُنْفَرد بِالتَّدْبِيرِ للأمور من غير مشارك لَهُ وَلَا معِين فَلَا يحدث حَادث فِي الْعَالم الْعلوِي وَلَا السفلي إِلَّا بتدبيره وإرادته وقضائه وحكمته قَالَ تَعَالَى ﴿يدبر الْأَمر﴾ أى يبرمه وينفذه بِمَا يُريدهُ عبر عَنهُ بِهِ تَقْرِيبًا إِذْ هُوَ عَالم بعواقب الْأُمُور كلهَا من غير نظر وَلَا فكر يعلم مَا يكون قبل أَن يكون ومالا يكون إِذْ لَو كَانَ كَيفَ كَانَ يكون وَمن علم أَنه مُنْفَرد بِالتَّدْبِيرِ لَا يفكر فِي تَدْبِير نَفسه بل يكل تَدْبيره إِلَى خالقه فَمن لَا خلق لَا تَدْبِير لَهُ قَالَ أهل الْمعرفَة من لم يدبر دبرله وَإِن كَانَ لابد من التَّدْبِير فدبر أَن لَا تدبر (جلّ عَن الشبيه والنظير) أى أَنه تَعَالَى جلّ عَن الشبيه والنظير فِي ذَاته وَصِفَاته وأفعاله قَالَ الفاكهى الظَّاهِر أَن الشبيه والنظير والمثيل وَنَحْو ذَلِك أَسمَاء مترادفة وَيحْتَمل أَن يُقَال هُنَا تَعَالَى عَن الشبيه فِي ذَاته والنظير فِي صِفَاته (حى) والحياة صفة أزلية تقتضى صِحَة الْعلم لموصوفها (مُرِيد) والإرادة صفة أزلية تخصص أحد طرفى الشَّيْء من الْفِعْل وَالتّرْك بالوقوع (قَادر) وَالْقُدْرَة صفة أزلية تُؤثر فِي الشَّيْء عِنْد تعلقهَا بِهِ (علام) وَالْعلم صفة أزلية لَهَا تعلق بالشَّيْء على وَجه الْإِحَاطَة بِهِ على مَا هُوَ عَلَيْهِ (لَهُ الْبَقَاء) وَهُوَ اسْتِمْرَار الْوُجُود فَلَا أول لَهُ وَلَا آخر (والسمع) وَهُوَ صفة أزلية تحيط بالمسموعات وَاكْتفى بِذكر السّمع عَن الْبَصَر وَهُوَ صفة أزلية تحيط بالمبصرات (وَالْكَلَام) وَهُوَ صفة أزلية عبر عَنْهَا بالنظم الْمَعْرُوف الْمُسَمّى بِكَلَام الله أَيْضا ويسميان بِالْقُرْآنِ أَيْضا وَقَول النَّاظِم علام صِيغَة مُبَالغَة وَهَذِه الصِّفَات نظمها بَعضهم فِي قَوْله
حَيَاة وَعلم قدرَة وَإِرَادَة
كَلَام وابصار وَسمع مَعَ البقا ... فهذى صِفَات االله جلّ قديمه
لَدَى الأشعرى الحبر ذِي الْعلم والتقى
هَذَا مَذْهَب أهل الْحق إِلَّا أَن بعض أَئِمَّتنَا أنكر الثَّامِنَة وَهِي الْبَقَاء وَقَالَ هُوَ بَاقٍ بِذَاتِهِ لَا بِبَقَاء وَهَذِه الصِّفَات زَائِدَة على مَفْهُوم الذَّات وَلَيْسَت عينهَا وَلَا غَيرهَا كَمَا مر أما صِفَات الْأَفْعَال كالخلق والرزق والإحياء والإماتة وبجمعها اسْم التكوين فَلَيْسَتْ أزلية خلافًا لبَعض الْحَنَفِيَّة بل هِيَ حَادِثَة أى متجددة لِأَنَّهَا إضافات تعرض للقدرة وهى تعلقاتها بوجودات المقدورات لأوقات وجوداتها وَلَا مَحْذُور فِي اتصاف البارى سُبْحَانَهُ بالإضافات كَكَوْنِهِ قبل الْعَالم وَمَعَهُ وَبعده وأزلية أَسْمَائِهِ الراجعة إِلَى صِفَات الْأَفْعَال من حَيْثُ رُجُوعهَا إِلَى الْقُدْرَة لَا الْفِعْل فالخالق مثل من شَأْنه الْخلق أى الَّذِي هُوَ بِالصّفةِ الَّتِى يَصح بهَا الْخلق وَهِي الْقُدْرَة كَمَا يُقَال المَاء فِي الْكوز مروأى هُوَ بِالصّفةِ الَّتِى يحصل بهَا الإرواء عِنْد مصادفة الْبَاطِن وَالسيف فِي الغمد قَاطع أى هُوَ بِالصّفةِ الَّتِى يحصل بهَا الْقطع عِنْد ملاقاة الْمحل فَإِن
1 / 10