الْمُحدث للْعَالم هُوَ الله تَعَالَى كَمَا جَاءَ بِهِ السّمع وَدلّ عَلَيْهِ الْعقل فَإِن احدنا لَيْسَ بِقَادِر على خلق جارحة لنَفسِهِ أورد سمع أَو بصر فِي كَمَال قدرته وَتَمام عقله فَفِي كَونه نُطْفَة أَو عدما أولى فَوَجَبَ أَن الْخَالِق هُوَ الله ﷾ وَدلّ على أنفراده بذلك دلَالَة التمانع الْمشَار إِلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا﴾ إِذْ لَو جَازَ كَونه اثْنَيْنِ لجَاز أَن يُرِيد أَحدهمَا شَيْئا وَالْآخر ضِدّه الَّذِي لَا ضد لَهُ غَيره كحركة زيد وسكونه بِأَن تتَعَلَّق الإرادتان مَعًا بإيجادهما فِي وَقت وَاحِد لِأَن كلا مِنْهُمَا أَمر مُمكن فِي نَفسه وَلذَا تعلّقت الْإِرَادَة بِكُل مِنْهُمَا إِذْ لَا تضَاد بَين الإرادتين بل بَين المرادين والممكن لَا يلْزم من فرض وُقُوعه محَال فَيمْتَنع وُقُوع المرادين وَعدم وقوعهما لِامْتِنَاع اجْتِمَاع الضدين الْمَذْكُورين وارتفاعهما فَيتَعَيَّن وُقُوع أَحدهمَا فَيكون مريده هُوَ الْإِلَه دون الآخر لعَجزه فَلَا يكون الْإِلَه إِلَّا وَاحِدًا (وَلَو أَرَادَ تَركه لما ابتداه) أَي أَنه فَاعل بِالِاخْتِيَارِ لَا بِالذَّاتِ إِن اراد فعل وَإِن أَرَادَ ترك إِذْ الْكل مُتَعَلق بإرادته ومشيئته فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن (فَهُوَ لما يُريدهُ فعال) أى أَنه فعال لما يُريدهُ خلافًا للفلاسفة الْقَائِلين بِأَنَّهُ موجد بِالذَّاتِ وَقد نطق الْقُرْآن الْعَظِيم بِأَنَّهُ فعال لما يُرِيد وَهُوَ كَمَا قَالَه أهل السّنة عَام فِي الْخَيْر وَالشَّر خلافًا اللمعتزلة حَيْثُ قَالُوا إِنَّمَا يُرِيد الْخَيْر فَهُوَ فعال لَهُ دون الشَّرّ وَقد أَشَارَ إِلَى مَذْهَبهم عبد الْجَبَّار مُخَاطبا للأستاذ أبي إِسْحَاق بقوله سُبْحَانَ من تنزه عَن الْفَحْشَاء فَأَجَابَهُ الْأُسْتَاذ بقوله سُبْحَانَ من لَا يجرى فِي ملكه إِلَّا مَا يَشَاء (وَلَيْسَ فِي الْخلق لَهُ مِثَال) أَي أَنه لَيْسَ فِي الْخلق بأسرهم لَهُ مِثَال لِأَنَّهُ لَو حصلت الْمُمَاثلَة بَينه وَبَين خلقه لم يكن وَاحِدًا لِأَن الْوَاحِد هُوَ الَّذِي لَا مثل لَهُ إِذْ لَو كَانَ لَهُ مثل لزم كَونه خَالِقًا ومخلوقا وقديما وحادثا مَعًا لِأَن مَا وَجب للمثل وَجب لمثله وكل ذَلِك محَال عقلا فَلَيْسَ كذاته ذَات وَلَا كَفِعْلِهِ فعل وَلَا كصفاته صفة جلت ذَاته الْقَدِيمَة عَن أَن يكون لَهَا صفة حَادِثَة كَمَا اسْتَحَالَ أَن يكون للذات الْحَادِثَة صفة قديمَة وَلِهَذَا أعظم الْمِنَّة على أهل التَّوْحِيد وأجزل النِّعْمَة على ذوى التَّحْقِيق حَيْثُ أعتق أسرهم عَن رق عبودية مَاله مثل وَعبادَة مَاله شكل وَلما كَانَ المعبود سُبْحَانَهُ لَا مثل لَهُ حق للعابدين أَن لَا يذروا مَقْدُورًا إِلَّا بذلوه وَلَا يغادروا معسورا فِي طلبه إِلَّا تَحملُوهُ إِذْ لايجوز بذل المهج إِلَّا فِي طلب الْعَزِيز الَّذِي لَا مثل لَهُ ﷾ قَالَ أَبُو إِسْحَاق الاسفراينى جمع أهل الْحق جَمِيع مَا قيل فِي التَّوْحِيد فِي كَلِمَتَيْنِ إِحْدَاهمَا اعْتِقَاد أَن كل مَا تصور فِي الأوهاو فَالله تَعَالَى بِخِلَافِهِ لِأَن الَّذِي يتَصَوَّر فِي الأوهام مَخْلُوق لله تَعَالَى وَالله تَعَالَى خالقه وَالثَّانيَِة اعْتِقَاد أَن ذَاته لَيست مشبهة بِذَات وَلَا معطلة عَن الصِّفَات وَقد أكد ذَلِك بقوله ﴿وَلم يكن لَهُ كفوا أحد﴾ وَهَذَا غَايَة فِي الإيجاز والجودة (قدرته لكل مَقْدُور جعل) أَي أَن قدرته تَعَالَى شَامِلَة لكل مَقْدُور من الممكنات الْجَوَاهِر والأعراض الْحَسَنَة والقبيحة النافعة والضارة فتعلقات قدرته لَا تتناهى وَإِن كَانَ كل مَا تعلّقت بِهِ بِالْفِعْلِ متناهيا فمتعلقاتها بِالْقُوَّةِ غير متناهية وبالفعل متناهية وَهَكَذَا القَوْل فِي متعلقات علمه تَعَالَى وَأَشَارَ بقوله (لكل مَقْدُور جعل) إِلَى أَن مُتَعَلق الْقُدْرَة الممكنات أما المستحيلات فلعدم قابليتها للوجود لم تصلح أَن تكون محلا لتَعلق الْقُدْرَة لَا لكلال فِيهَا قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر﴾ ﴿وَخلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا﴾ ﴿وَمَا أَصَابَكُم يَوْم التقى الْجَمْعَانِ فبإذن الله﴾ أَي بِقَضَائِهِ وَقدره ﴿مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها﴾ ﴿ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة﴾ ﴿وَإِذا أَرَادَ الله بِقوم سوءا فَلَا مرد لَهُ﴾ وَفِي الْخَبَر الصَّحِيح (كل شَيْء بِقَضَاء وَقدر) (وَعلمه لكل مَعْلُوم شَمل) اى إِن علمه تَعَالَى شَامِل لكل مَعْلُوم مَكَانا أَو مُتَمَكنًا جوهرا أَو عرضا وجودا أَو عدما جزئيا أَو كليا وَاجِبا أَو جَائِزا أَو محالا قَدِيما أَو حَادِثا يعلم ذَلِك بِعلم وَاحِد قديم لَا بِتَعَدُّد بتعداد المعلومات وَلَا يَتَجَدَّد بتجددها
1 / 9