وَإِن أبعد قُلُوب النَّاس من رَبنَا الرَّحِيم قلب قاسي أَي أبعد النَّاس من رَحمَه رَبنَا الرَّحِيم صَاحب الْقلب القاسي لخَبر التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن عمر قَالَ سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول لَا تكثروا الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله فَإِن كَثْرَة الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله قسوة للقلب وَإِن أبعد النَّاس من الله الْقلب القاسي وَفِي مُسْند الْبَزَّار عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ أَرْبَعَة من الشَّقَاء جمود الْعين وقساوة الْقلب وَطول الأمل والحرص على الدُّنْيَا وَفِي ذكر رَبنَا وَوَصفه بالرحيم مُبَالغَة فِي التَّعَبُّد وَفِي نُسْخَة بدل هَذَا الْبَيْت وَإِن من أبعد قُلُوب النَّاس لربنا الرَّحِيم قلب قاسي فدال أبعد سَاكِنة وَوَصلهَا بنية الْوَقْف وَاللَّام فِي لربنا مُتَعَلقَة بأبعد وَهُوَ بِمَعْنى من أوعن وقلب مَرْفُوع على أَنه مُبْتَدأ خَبره قاسى وَالْجُمْلَة خبر لِأَن وَاسْمهَا ضمير الشَّأْن وَعَلِيهِ حمل خبر إِن من أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة المصورون وَلَا يحمل على زِيَادَة من خلافًا للكسائي وَسَائِر الْأَعْمَال لَا تخلص إِلَّا مَعَ النِّيَّة أَي إِن سَائِر الْأَعْمَال لَا يخلص فاعلها من عُهْدَة تَكْلِيفه بهَا بِأَن تقع صَحِيحَة مجزئة مثابا عَلَيْهَا إِلَّا مَعَ النِّيَّة والأعمال جمع عمل وَهُوَ يتَنَاوَل عمل اللِّسَان والجنان والأركان وَظَاهر أَن النِّيَّة لَا تحْتَاج إِلَى نِيَّة أُخْرَى فتندرج فِيهَا الْعِبَادَات وَغَيرهَا كطهارة الْحَدث وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَالْعمْرَة وَالْأُضْحِيَّة وَالْهدى والعقيقة وَالْكَفَّارَة وَالْجهَاد وَالصَّدقَات وَقَضَاء حوائج النَّاس وعيادة المرضى وَاتِّبَاع الْجَنَائِز وَابْتِدَاء السَّلَام ورده وتشميت الْعَاطِس وَجَوَابه وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَإجَابَة الدَّعْوَى وَحُضُور مجْلِس الْعلم والإذكار وزيارة الأخوان والقبور وَالنَّفقَة على الْأَهْل والضيفان وإكرام أهل الْفضل وَذَوي الْأَرْحَام ومذاكرة الْعلم والمناظرة فِيهِ وتكريره وتدريسه وتعلمه وتعليمه ومطالعته وكتابته وتصنيفه وَالْفَتْوَى وَالْقَضَاء وإماطة الْأَذَى عَن الطَّرِيق والنصيحة والإعانة على الْبر وَالتَّقوى وَقبُول الْأَمَانَات وأداؤها وَأما الْوَاجِب الَّذِي لم يشرع عبَادَة كرد الْمَغْصُوب والمباح وَالْمَكْرُوه وَالْمحرم فَلَا يفْتَقر إِلَى نِيَّة وَلَكِن لَا يُثَاب عَلَيْهَا إِلَّا مَعَ النِّيَّة فَيَنْبَغِي استحضار النِّيَّة عِنْد الْأكل وَالشرب وَالنَّوْم بِأَن يقْصد بهَا التَّقْوَى على الطَّاعَة وَعند جماع موطوءته بِأَن يقْصد بِهِ المعاشرة بِالْمَعْرُوفِ وإيصال الْمَرْأَة حَقّهَا وإعفافها وإعفاف نَفسه وَتَحْصِيل ولد صَالح ليعبد الله وَعند عمل حِرْفَة كالزراعة بِأَن يقْصد بهَا إِقَامَة فرض الْكِفَايَة ونفع الْمُسلمين وَالضَّابِط أَنه مَتى قصد بِالْعَمَلِ امْتِثَال أَمر الشَّارِع وبتركه الإنهاء بنهي الشَّارِع كَانَ مثابا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا فَعلم أَن التروك وَنَحْوهَا وَإِن كَانَت لَا تفْتَقر إِلَى نِيَّة فِي عُهْدَة الْخُرُوج من التَّكْلِيف بهَا لكنه لَا يُثَاب عَلَيْهَا إِلَّا بهَا وَالْكَلَام على النِّيَّة من سَبْعَة أوجه نظمها بَعضهم فِي قَوْله ... حَقِيقَة حكم مَحل وزمن ... كَيْفيَّة شَرط ومقصود حسن ... والمرجح أَن إيجادها ذكرا فِي أول الْعَمَل ركن واستصحابها حكما بِأَن لَا يَأْتِي بمناف لَهَا شَرط فَمَا أفهمهُ ظَاهر قَوْله مَعَ النِّيَّة من أَنَّهَا شَرط للصِّحَّة خَارج عَن الْمَاهِيّة مصاحب لَهَا إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار شَرطهَا حَتَّى لَا يُخَالف الْمَشْهُور من أَنَّهَا ركن وَاللَّام فِيهَا للْعهد أَو معاقبة للضمير على رَأْي وَالتَّقْدِير إِلَّا مَعَ نياتها ككون الْعَمَل صَلَاة أَو غَيرهَا ظهرا مثلا أَو غَيرهَا وَكَونه فرضا مثلا حَيْثُ تخلص أَي أَنه لَا بُد فِي حُصُول الثَّوَاب على الْعَمَل من إخلاص نِيَّة فَاعله مَعَ الله تَعَالَى بِأَن لم يُشْرك فِيهَا غَيره وَقد عبر عَن الْإِخْلَاص بعبارات شَتَّى ترجع إِلَى أَنه تصفية الْفِعْل عَن الملاحظة للمخلوق وَمَا أَفَادَهُ كَلَام المُصَنّف من أَن الْعَامِل إِذا شرك فِي عمله بَين أَمر ديني ودنيوي لَا أجر لَهُ مُطلقًا هُوَ مااختاره ابْن عبد السَّلَام وَغَيره واستظهره الزَّرْكَشِيّ وَالْأَوْجه مَا اخْتَارَهُ الغزالى من اعْتِبَار الْبَاعِث فَإِن كَانَ الْأَغْلَب الديني
1 / 7