التَّصْدِيق الْمَار فَهُوَ شَرط للإعتداد بالعبادات فَلَا يَنْفَكّ الْإِسْلَام المعتبرعن الْإِيمَان وَإِن انْفَكَّ الْإِيمَان عَنهُ فِيمَن اخترمته الْمنية قبل اتساع وَقت التَّلَفُّظ وَأما مَا ورد من إِثْبَات أَحدهمَا وَنفي الآخر من نَحْو قَوْله تَعَالَى ﴿قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا﴾ فَهُوَ وَارِد فِي الْمُنَافِقين وَأما الْعَطف فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات وَالْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات﴾ فَإِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى معنيهما اللغويين وَلذَلِك ذكر الصَّدَقَة وَالصَّوْم وَغَيرهمَا بعدهمَا بطرِيق الْعَطف مَعَ الْإِجْمَاع على عدم خُرُوجهَا عَن الْإِسْلَام وَالْإِيمَان هَذَا كُله بِالنّظرِ لما عِنْد الله أما بِالنّظرِ لما عندنَا فالإسلام هُوَ النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ فَقَط فَمن أقرّ بهما أجريت عَلَيْهِ أَحْكَام الْإِسْلَام فِي الدُّنْيَا وَلم يحكم عَلَيْهِ بِكفْر إِلَّا بِظُهُور إمارات التَّكْذِيب كسجوده اخْتِيَارا لكواكب أَو صُورَة أَو استخفاف بِنَبِي أَو بمصحف أَو بِالْكَعْبَةِ أَو نَحْو ذَلِك وَالصَّحِيح صِحَة إِيمَان الْمُقَلّد وَاللَّام فِي قَوْله لصِحَّة الْإِيمَان للتَّعْلِيل أَو بِمَعْنى فِي وَألف اعتبرا وَقدرا للإطلاق وبالأعمال يكون الْإِيمَان ذَا نقص وَذَا كَمَال أَي الْإِيمَان يزِيد بِسَبَب زِيَادَة الْأَعْمَال ككثرة النّظر ووضوح الْأَدِلَّة وَزِيَادَة الطَّاعَة وَينْقص بِسَبَب نَقصهَا والأدلة فِي ذَلِك كَثِيرَة وَمَا قيل من أَن حَقِيقَة الْإِيمَان لَا تزيد وَلَا تنقص لما مر أَنه التَّصْدِيق القلبي الَّذِي بلغ حد الْجَزْم والاذعان وَهُوَ لَا يتَصَوَّر فِيهِ زِيَادَة وَلَا نقص حَتَّى إِن من حصل لَهُ حَقِيقَة التَّصْدِيق القلبي فَسَوَاء عمل الطَّاعَات أَو ارْتكب الْمعاصِي فتصديقه لَا تغير فِيهِ أصلا رد بِأَنا لَا نشك أَن تَصْدِيق الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أَعلَى وأكمل من تَصْدِيق غَيرهم وَإِن تَصْدِيق أبي بكر أَعلَى من تَصْدِيق غَيره من بَقِيَّة النَّاس وَيُؤَيِّدهُ أَن كل أحد يعلم أَن مَا فِي قلبه يتفاضل حَتَّى يكون فِي بعض الْأَحْوَال أعظم يَقِينا وإخلاصا وتوكلا مِنْهُ فِي بَعْضهَا وَكَذَلِكَ فِي التَّصْدِيق والمعرفة بِحَسب ظُهُور الْبَرَاهِين وَكَثْرَتهَا فَكُن من الْإِيمَان فِي مزِيد وَفِي صفاء الْقلب ذَا تَجْدِيد أَي كن أَيهَا الْمُكَلف الْمُخَاطب فِي نَفِيس عمرك من الْإِيمَان فِي تَحْصِيل مزِيد مِنْهُ بِكَثْرَة الصَّلَاة والطاعات فَرضهَا ونفلها وَترك مَا للنَّفس من شهوات نفسانية أَو بهيمية مُحرمَة أَو مَكْرُوهَة وَإِيَّاك ثمَّ إياك أَن يَقع مِنْك نقص فِي إيمانك بارتكاب مَعْصِيّة من معاصي الله تَعَالَى فَتَقَع فِي خسران عمرك النفيس الَّذِي لَا يعدل مِنْهُ لَحْظَة مِنْهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَهُوَ رَأس مَالك الَّذِي تربح فِيهِ السَّعَادَة الأبدية والعيشة المرضية وَكن دَائِما ساعيا فِي صفاء قَلْبك من الكدورات البشرية ذَا تَجْدِيد لَهُ فَكلما صفيته من كدر وَحدث فِيهِ كدر آخر من جنسه أَو من غير جنسه سعيت فِي تنقيته مِنْهُ حَتَّى لَا يزَال قَلْبك صافيا وَأَنت بالإجتهاد فِي إِصْلَاحه ساعيا بِكَثْرَة الصَّلَاة والطاعات وَترك مَا لنَفسك من الشَّهَوَات فَكلما تحركت إِلَى شَهْوَة فتداركها ببصيرتك وفر مِنْهَا بِصدق التجائك إِلَى مَوْلَاك وَكن مستنصرا بِرَبِّك على قَلْبك ومستعينا على نَفسك بقلبك فبدوام تصفيتك تحصل جمعيتك وَلِهَذَا كَانَ أَكثر الصُّوفِيَّة على أَنه إِنَّمَا سمي الصوفى بذلك لِكَثْرَة تصفيته قلبه قَالَ سهل بن عبد الله الصُّوفِي من صفا من الكدر وامتلأ من العبر وَانْقطع إِلَى الله عَن الْبشر وتساوى عِنْده الذَّهَب والمدر وَقَالَ الْغَزالِيّ كَانَ اسْم الْفَقِيه فِي الْعَصْر الأول لمن علم طَرِيق الْآخِرَة ودقائق آفَات النُّفُوس ومفسدات الْأَعْمَال واستيلاء الْخَوْف على الْقلب دون من علم الْفُرُوع الْعَرَبيَّة وَأَحْكَام الْفَتَاوَى وَقَول النَّاظِم بِكَثْرَة وَترك مُتَعَلق بِكُل من مزِيد وتجديد وَفِي بعض النّسخ فشهوة النَّفس مَعَ الذُّنُوب موجبتان قسوة الْقُلُوب أَي ارْتِكَاب الْمُكَلف لشهوات نَفسه وارتكابه الذُّنُوب الطالبة لَهَا مقتضيات قسوة قلبه
1 / 6