فَصرحَ باستحالته عَلَيْهِ أى عقلا وسمعا أما الأول فَلِأَن الظُّلم إِنَّمَا يعرف بالنهى عَنهُ وَلَا يتَصَوَّر فِي أَفعاله تَعَالَى مَا ينْهَى إِذْ لَا يتَصَوَّر لَهُ ناه وَلِأَن الْعَالم خلقه وَملكه وَلَا ظلم فِي تصرف الْمَالِك فِي ملكه وَلِأَنَّهُ وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَذَلِكَ مُسْتَحِيل على الْمُحِيط بِكُل شَيْء علما وَأما الثَّانِي فَلَمَّا لَا يُحْصى من الْآيَات وَالْأَخْبَار وَالْألف فِي قَوْله الْأَطْفَال واستحالا للإطلاق ﴿يرْزق من يَشَأْ وَمن شا أحرما﴾ أى أَنه يرْزق من يَشَاء مَا شَاءَ من الرزق وَمن شَاءَ أحرمهُ مَا شَاءَ مِنْهُ وَفِي نُسْخَة حرما وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى منع وَالْألف فيهمَا للإطلاق أَو أَنه تَعَالَى يرْزق من يَشَاء بِأَن يُوسع عَلَيْهِ فِيهِ وَمن يَشَاء حرمه بِأَن يضيق عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الرازق فَلَا رَازِق غَيره وكل يسْتَوْفى رزق نَفسه وَلَا يتَصَوَّر أَن يَأْكُل رزق غَيره وَلَا أَن يَأْكُل غَيره رزقه لِأَن مَا قدره الله تَعَالَى غذَاء الشَّخْص يجب أَن ياكله وَيمْتَنع أَن يَأْكُلهُ غَيره فَمن حق من عرف أَنه الرازق أَن لايسأل حَوَائِجه قلت أم كثرت إِلَّا مِنْهُ تَعَالَى (والرزق مَا ينفع وَلَو محرما) أى أَن الرزق بِمَعْنى المرزوق مَا ينْتَفع بِهِ حَتَّى فِي التغذى وَغَيره وَلَو كَانَ حَرَامًا بِغَصب أَو غَيره لقَوْله تَعَالَى ﴿قل أَرَأَيْتُم مَا أنزل الله لكم من رزق فجعلتم مِنْهُ حَرَامًا وحلالا﴾ إِذْ لَو لم نقل بذلك لزم أَن المتغذي بالحرام طول عمره لم يرزقه الله أصلا وَأَن الدَّوَابّ لَا ترزق لِأَنَّهَا لَا تملك وَيَردهُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها﴾ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يتْرك مَا أخبر أَنه عَلَيْهِ وَقَول النَّاظِم من (يشا وَمن شا) بالإسكان وصلَة بنية الْوَقْف (وَعلمه بِمن يَمُوت مُؤمنا فَلَيْسَ يشقى بل يكون آمنا) أى من علم الله تَعَالَى مَوته مُؤمنا فَلَيْسَ يشقى بل يكون سعيدا آمنا من عَذَاب الْكفَّار وَإِن تقدم مِنْهُ كفر وَقد غفر وَمن علم مَوته كَافِرًا فيشقى وَإِن تقدم مِنْهُ إِيمَان وَقد حَبط عمله وَقد قَالَ الْأَشْعَرِيّ إِنَّه تبين أَنه لم يكن إِيمَانًا فالسعادة الْمَوْت على الْإِيمَان وَيَتَرَتَّب عَلَيْهَا الخلود فِي الْجنَّة والشقاوة الْمَوْت على الْكفْر وَيَتَرَتَّب عَلَيْهَا الخلود فِي النَّار وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿وَأما الَّذين سعدوا فَفِي الْجنَّة خَالِدين فِيهَا﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿فَأَما الَّذين شَقوا فَفِي النَّار لَهُم فِيهَا زفير وشهيق خَالِدين فِيهَا﴾ لم يزل أَبُو بكر (الصّديق) ﵁ (فِيمَا قد مضى) من عمره (عِنْد إلهه) تَعَالَى (بِحَالَة الرِّضَا) وَإِن لم يَتَّصِف بِالْإِيمَان قبل تَصْدِيقه النَّبِي ﷺ لِأَنَّهُ لم يثبت عَنهُ حَالَة كفر كَمَا ثبتَتْ عَن غَيره مِمَّن آمن وَظن بعض الْحَنَفِيَّة أَن الْأَشْعَرِيّ يَقُول بِأَنَّهُ كَانَ مُؤمنا قبل المبعث وَلَيْسَ كَذَلِك (إِن الشقي الشقي الْأَزَل وَعَكسه السعيد لم يُبدل) أى أَن الشقى من كتبه الله شقيا فِي الْأَزَل لَا فِي غَيره والسعيد من كتبه الله سعيد فِي الْأَزَل لَا فِي غَيره وَإِن كلا مِنْهُمَا لَا يُبدل إِذْ من كتبه فِي الْأَزَل شقيا يَسْتَحِيل أَن يَنْقَلِب سعيدا وَمن كتبه فِي الْأَزَل سعيدا يَسْتَحِيل أَن يَنْقَلِب شقيا بِخِلَاف الْمَكْتُوب فِي غَيره كاللوح الْمَحْفُوظ قَالَ تَعَالَى ﴿يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب﴾ أَي أَصله وَهُوَ الْعلم الْقَدِيم الَّذِي لَا يُغير مِنْهُ شَيْء كَمَا قَالَه ابْن عَبَّاس وَغَيره وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ حَدِيث مَرْفُوع (فرغ رَبك من الْعباد فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير) وَفِي عقائد النَّسَفِيّ وَغَيرهَا أَن السعيد قد يشقى بِأَن يرْتَد بعد الْإِيمَان وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى والشقى قد يسْعد بِأَن يُؤمن بعد الْكفْر والتغيير يكون على السَّعَادَة والشقاوة دون الاسعاد والاشقاء فانهما من صِفَاته تَعَالَى وَالْحَاصِل أَنه يحمل مَا دلّ على التبدل على أَنه بِالنِّسْبَةِ إِلَى علم الْمَلَائِكَة الْمُسْتَند إِلَى مَا فِي الْمُصحف وَمَا دلّ على عدم التبدل على أَنه بِالنِّسْبَةِ إِلَى علمه تَعَالَى (وَلم يمت قبل انقضا الْعُمر أحد) أى أَنه لَا يَمُوت أحد قبل انْقِضَاء أَجله وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي كتب الله فِي الْأَزَل انْتِهَاء حَيَاته فِيهِ بقتل أَو غَيره قَالَ الله تَعَالَى ﴿فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾
1 / 17