أُرِيد بالخالق مِنْهُ من صدر مِنْهُ الْخلق فَلَيْسَ صدوره أزليا وَقَول النَّاظِم البقا بالقص بِالْقصرِ للوزن (كَلَامه كوصفه الْقَدِيم) أى كَلَام الله تَعَالَى النَّفْسِيّ صفة قديمَة كَبَقِيَّة صِفَاته الْقَدِيمَة بِحرف وَلَا صَوت لِأَنَّهُمَا عرضان حادثان ويستحيل اتصاف الْقَدِيم بالحادث وَهَذَا مَذْهَب أهل الْحق وَقد ذكر الْإِنْسَان فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين موضعا وَقَالَ إِنَّه مَخْلُوق وَذكر الْقُرْآن فِي أَرْبَعَة وَخمسين موضعا وَلم يقل إِنَّه مَخْلُوق وَلما جمع بَينهمَا نبه على ذَلِك فَقَالَ ﴿الرَّحْمَن علم الْقُرْآن خلق الْإِنْسَان علمه الْبَيَان﴾ ثمَّ تَارَة يدل عَلَيْهِ بالعبارة وَتارَة يدل عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ فَإِذا عبر عَنهُ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا وبالعبرانية فتوارة وبالسريانية فإنجيل كَمَا إِذا ذكر الله تَعَالَى بلغات مُخْتَلفَة فالمسمى وَاحِد وَإِن كَانَت اللُّغَات مُخْتَلفَة أما الْعبارَات الدَّالَّة عَلَيْهِ فمخلوق حَادِثَة لَكِن امْتنع الْعلمَاء من إِطْلَاق الْخلق والحدوث عَلَيْهَا إِذا سميت قُرْآنًا لما فِيهِ من الْإِيهَام (لم يحدث المسموع للكليم) أى الْكَلَام الَّذِي سَمعه الكليم مُوسَى ﷺ كَلَام الله تَعَالَى حَقِيقَة لَا مجَازًا فَلَا يكون مُحدثا لما مر وَهَذَا معنى قَوْله (لم يحدث المسموع للكليم) أى لم يُوصف الْكَلَام المسموع للكليم بِأَنَّهُ مُحدث بل هُوَ قديم لِأَنَّهُ الصّفة الأزلية الْحَقِيقِيَّة وَلِأَنَّهُ كَمَا لم تتعذر رُؤْيَته تَعَالَى مَعَ أَنه لَيْسَ جسما وَلَا عرضا كَذَلِك لَا يتَعَذَّر سَماع كَلَامه مَعَ إِنَّه لَيْسَ حرفا وَلَا صَوتا وَقَوله يحدث بِضَم الْيَاء من أحدث أَو بِفَتْحِهَا من حدث فالمسموع مَنْصُوب على الأول بِكَوْنِهِ مَفْعُولا ومرفوع على الثَّانِي بالفا لمية (يكْتب فِي اللَّوْح وباللسان يقْرَأ كَمَا حفظ بالأذهان) أى أَن الْقُرْآن الْعَزِيز يُطلق عَلَيْهِ شرعا إطلاقا حَقِيقِيًّا لَا مجازيا أَنه مَكْتُوب فِي ألواحنا وَمَصَاحِفنَا بأشكال الْكِتَابَة وصور الْحُرُوف الدَّالَّة عَلَيْهِ قَالَ ﷺ (لَا تسافرو فِي الْقُرْآن إِلَى أَرض الْعَدو مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو) وَلِهَذَا قَالَ بعض أَصْحَابنَا أَن ينْعَقد الْيَمين بالمصحف فِي حَالَة الْإِطْلَاق وَأَنه مقروء بألسنتنا بِحُرُوفِهِ الملفوظة المسموعة بآذاننا وَلِهَذَا حرمت قِرَاءَة الْقُرْآن على ذى الْحَدث الْأَكْبَر وَأَنه لمحفوظ بأذهاننا فِي صدورنا واتصاف الْقُرْآن بِهَذِهِ الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة وَبِأَنَّهُ غير مَخْلُوق أى مَوْجُود أزلا وابدا اتصاف لَهُ بِاعْتِبَار وجودات الموجودات الْأَرْبَعَة فان لكل مَوْجُود وجودا فِي الْخَارِج ووجودا فِي الذِّهْن ووجودا فِي الْعبارَة ووجودا فِي الْكِتَابَة فَهِيَ تدل على الْعبارَة وَهُوَ على مَا فِي الذِّهْن وَهُوَ على مَا فِي الْخَارِج فالقرآن بِاعْتِبَار الْوُجُود الذهنى مَحْفُوظ فِي الصُّدُور وَبِاعْتِبَار الْوُجُود اللساني مقروء بالألسنة وَبِاعْتِبَار الْوُجُود الْبَيَانِي مَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف وَبِاعْتِبَار الْوُجُود الْخَارِجِي وَهُوَ الْمَعْنى الْقَائِم بِالذَّاتِ المقدسة لَيْسَ فِي الصُّدُور وَلَا فِي الْأَلْسِنَة وَلَا فِي الْمَصَاحِف (أرسل رسله بمعجزات ظَاهِرَة لِلْخلقِ باهرات) أى يجب على كل مُكَلّف اعْتِقَاد أَن الله تَعَالَى أرسل الرُّسُل من الْبشر إِلَى الْبشر مبشرين لأهل الْإِيمَان وَالطَّاعَة بالثواب وَالْجنَّة ومنذرين لأهل الْكفْر والعصيان بالعقاب وَالنَّار لتبليغ الرسَالَة وَبَيَان مَا أنزل عَلَيْهِم مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من أَمر الدُّنْيَا وَالدّين ولإقامة حجَّة الله على خلقه لقَوْله تَعَالَى ﴿لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل﴾ وبدونهم لَا يُمكن الْوُصُول إِلَى الله وَلَا يَصح سلوك الطَّرِيق إِلَيْهِ لِأَن الْعقل لَا يسْتَقلّ بِإِدْرَاك الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وأحوال الْقِيَامَة وأيدهم بالمعجزات الظاهرات الباهرات إِذْ مدعى الرسَالَة لَا بُد لَهُ من دَلِيل على دَعْوَاهُ والمعجزة دَلِيله وَالْمرَاد الْحجَّة الظَّاهِرَة الَّتِي يُشَارِكهُ فِي الْعلم بهَا خلقه أما الْحجَّة الْحَقِيقِيَّة الْمُنْفَرد هُوَ بعلمها فَهِيَ قَائِمَة على الْخلق بِدُونِ الرُّسُل لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ حكم عدل وَقد روى أَن عدد الأنبءيا مائَة ألف وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألفا وَقيل مِائَتَا ألف وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألفا وَقيل ألف ألف وَمِائَتَا ألف وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا عدد الْمُرْسلين مِنْهُم ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر وَقيل وَأَرْبَعَة عشر وَالْمَذْكُور مِنْهُم فِي الْقُرْآن بأسماء الْأَعْلَام ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ نَبيا آدم وَإِدْرِيس ونوح وَهود وَصَالح وَإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق
1 / 11