القياس على أخوته من بابه نحو : عطشان وغرثان. وزعم قوم أنهما بمعنى واحد كندمان ونديم ، وجمع بينهما للتأكيد والاتساع كقولهم جاد مجد قال طرفة.
متى أدن منه ينأ عني ويبعد
وقال قوم : الرحمن أشد مبالغة استدلالا بالزيادة في اللفظ على الزيادة في المعنى. قالوا : ولهذا جاء رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ، وربما يقال رحمن الدنيا ورحيم الآخرة ، لأن رحمته في الدنيا عمت المؤمن والكافر والبر والفاجر ، وفي الآخرة اختصت بالمؤمنين. فالرحمن خاص اللفظ عام المعنى والرحيم بالعكس. أما خصوص الرحمن فمن حيث لا يسمى به إلا الله تعالى لأنه من الصفات الغالبة كالدبران والعيوق ، وأما عمومه فمن حيث إنه يشمل جميع الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع. وأما عموم الرحيم فاشتراك تسمية الخلق به ، وأما خصوصه فرجوعه إلى اللطف بالمؤمنين والتوفيق. الضحاك : الرحمن بأهل السماء حيث أسكنهم السموات وطوقهم الطاعات وأنطق ألسنتهم بأنواع التسبيحات وجنبهم الآفات وقطع عنهم المطامع واللذات ، والرحيم بأهل الأرض حيث أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب. فقال عكرمة : الرحمن برحمة واحدة والرحيم بمائة رحمة كما قال صلى الله عليه وسلم : «إن لله تعالى مائة رحمة وإنه أنزل منها رحمة واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه فيها يتعاطفون وبها يتراحمون وأخر تسعا وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة» (1) قال ابن المبارك : الرحمن الذي إذا سئل أعطى ، والرحيم الذي إذا لم يسأل غضب. قال صلى الله عليه وسلم : «من لم يسأل الله يغضب عليه» (2) الرحمن بالنعماء وهي ما أعطى وحبا ، والرحيم باللأواء وهي ما صرف وزوى. الرحمن بالإنقاذ من النار ( وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) [آل عمران : 103] والرحيم بإدخالهم الجنان ( ادخلوها بسلام آمنين ) [الحجر : 46] الرحمن الراحم القادر على كشف الضر ، والرحيم الراحم وإن لم يقدر على كشف الضر. وتسمية مسيلمة الكذاب بالرحمن تعنت منهم واقتطاع من أسماء الله تعالى. قال عطاء : ولذلك قرنه الله تعالى بالرحيم لأن هذا المجموع لم يسم غيره. وإنما قدم الرحمن وهو الأعلى على الرحيم ، والعادة التدرج من الأدنى إلى الأعلى ، لأن الرحمن يتناول عظائم النعم وأصولها ، فإردافه بالرحيم كالتتمة ليتناول ما دق منها ولطف. واعلم أن الأشياء التي أنعم الله تعالى بها على الخلق أربعة أقسام :
صفحه ۷۸