غرائب المکتوبجی

سلیم سرکیس d. 1344 AH
38

غرائب المکتوبجی

غرائب المكتوبجي

ژانرها

فكانوا أطوع لأمره من بنانه وأفسحوا للجنازة مجالا تمر فيه بينهم، ووقفوا باحترام وإكرام ورفع الرجال قبعاتهم وأحنت السيدات الرءوس، حتى إذا مر النعش بالعروس بولاند محمولا على أيدي الناس غير مغطى إلا بثوب رقيق رأت ضمنه فتاة حسناء تبلغ السادسة عشرة من عمرها، فحزنت لمصابها وزاد في حزنها ما رأته من عدم وجود زهرة واحدة على الأقل فوق نعش الطهارة الشباب.

وفي طرفة عين أخذت زهرة من إكليل عرسها الجميل ووضعتها بلطف على النعش. ورأى الحزين عمل بولاند فلانت عواطفه وستر وجهه بيده وبكى. فسأل الكونت كلارفيل: من الرجل؟ قيل له إنه غريب قدم المدينة مؤخرا مع أخته وكان شديد التعلق بها فمرضت وماتت، وصباح اليوم أراد أن يحتفل بجنازتها ودفنها فقيل له إن في الكنيسة حفلة زواج، فلم يمنعه ذلك عن عزمه.

وعند ذلك استأنفت حفلة العرس المسير، وفي برهة وجيزة تحول قرع الأجراس من الفرح إلى الحزن، وعند الباب وقف الحزين وسأل أحد الواقفين: من هي تلك السيدة الحسناء؟ - إن كنت تعني العروس فهي السيدة بولاند. - أسعد الله حياتها. •••

بعد مضي عشرين سنة على الحادثة التي تقدم ذكرها بدأت الثورة في فرنسا وهب رجال العامة على الأعيان وأرسلت الحكومة المؤقتة إلى مدينة نانت رجلا حاملا أوامر مشددة بالتضييق ما استطاع على ذوي المكانة.

وكان اسم هذا الحاكم كارير، فأمر أن يزج في السجن عدد غفير من المظنون بهم، فجمعوا هنالك النساء والغلمان وكانوا كل يوم يغرقون في النهر عددا غفيرا. وجعل في القاعة الفسيحة لجنة تشبه المحكمة يحضر إليها القوم ويقسمون إلى فريقين: المظنون بهم والمحكوم عليهم، فمتى وقف أحدهم أمام كارير صاح بالحرس أن هذا محكوم عليه بالإعدام، فيسرعون وينقلونه إلى السجن حتى ساعة الإعدام المعينة فلا يبقون عليه.

وفي ذات يوم نادى كاتب المجلس «هنري دي كيركو» فحضر أمام الحاكم شاب في الثامنة عشرة من عمره، فقال الحاكم: أنت متهم بأنك مقاوم لنا. - نعم، قتلتم والدي وسأفي الدين شأني في كل حال. وإذا بصوت امرأة قد اخترق الجمع قائلة بلهجة المستجير: هنري ...

فنظر كارير حوله وللحال أخذ هنري من أمامه وأحضر بدله امرأتان فسأل الكبيرة: أنت والدة هذا الشاب؟ - نعم، وهذه شقيقته. - وما هو اسمك؟ - بولاند دي كلارفيل ماركيزة دي كيركو. فأعلن كارير ختام المحاكمة وقال: حكمنا على هؤلاء الثلاثة بالإعدام.

فأخذوا إلى السجن، وكان موعد الابتداء بالإعدام الساعة التاسعة مساء، يقيد كل اثنين سوية ويوضعان في قارب حتى إذا بلغوا بهم منتصف النهر ذبحوهم أو أطلقوا عليهم الرصاص وطرحوا جثثهم طعاما للحيوانات.

أما ماركيزة كيركو وولداها فانتظروا وقت إعدامهم بصبر وخوف، وإذا بباب سجنهم قد فتح وجاءهم السجان يطلب الفتاة وحدها؛ فخرجت إلى أن صارت في غرفة كارير، فانصرف الحارس ثم لما انفردا قال لها: ما اسمك؟ - إيفون دي كيركو. - هل تحبين والدتك؟ - نعم يا سيدي. - وشقيقك؟ - وأي حب أحبه. - ماذا تبذلين من أجل نجاته؟ - أبذل نفسي إن وفت بالمراد. - لا أسألك بذل نفسك بل أن تلتزمي الصمت، فما هو عمرك؟ - 16 سنة يا سيدي. - إذا حتى الآن لم تتعلمي الكذب فأصغي لكلامي، هو ذا رسالة أعهد بها إليك مشترطا أنك لا تفضين ختمها حتى نصف الليل، ولا تحدثين أحدا بأمرها. قد وعدت بذلك فانصرفي.

فأخذت الفتاة الرسالة ووضعتها في جيبها ونقلت ثانية إلى السجن، وقبل أن تتمكن من إعلام والدتها بها تم فتح الباب ثانية ودخل الحارس وأمرهم جميعا أن يتبعوه صامتين.

صفحه نامشخص