منعني المكتوبجي عن نشر القصة الآتية في جريدة «لسان الحال»، ولا أعرف لذلك سببا إلا جهله. وإني أنشرها هنا ليطلع القراء عليها ويدركوا مقدار فهمه.
في ذات يوم من فصل الربيع كان يرى زائر إحدى مدن فرنسا كنيستها الجميلة مزدانة بالشموع والأنوار والأكاليل.
وخرج من تلك الأبواب الخضراء شاب شريف استندت إلى ذراعه فتاة بارعة الجمال تردت بثوب الإكليل وعليه الأزهار على اختلاف أنواعها، وازدان شعرها بإكليل من زهر الليمون يتدلى مع شعرها المترامي على قدميها كأنه يسألها شفاعة بنفسه لأنه صبيحة ذات يوم هب مع هبوب النسيم فلطم خديها وآلم بنانها.
ومن وراء العروسين أقبل أهل الفتاة وأقرباؤها والمحتفلون بالعرس، واسم الشاب ماركيز دي كيركو، والفتاة وحيدة الكونت كلارفيل واسمها بولاند.
ومشت حفلة العرس على ما وصفنا من الأبهة يريدون الوصول إلى حيث أقامت المركبات في انتظارهم.
ثم قالت السيدة بولاند لوالدها: إنه لنهار جميل يا أبي، فهل لك أن نذهب إلى البيت مشاة؟
فأجاب الكونت بالإيجاب، وهكذا ساروا في طريق القرية على ما ذكرنا من الاحتفال، حتى بلغوا طريقا ضيقا فوقفوا فجأة، إذ اعترضهم في مسيرهم إقبال جنازة تريد الوصول إلى الكنيسة التي خرج منها العروسان.
وكانت مظاهر الجنازة تدل على الفقر، وفي النعش المحمول فتاة ليس على نعشها زهرة ولا أمامها إكليل مع أنهم في أيام الربيع.
ووراء النعش رجل يبكي وهو الحزين الوحيد، ومن معه من الرجال غرباء. وعندما رأي حاملو النعش حفلة عرس الماركيز وقفوا وحادوا عن الطريق، فرفع الرجل الحزين رأسه ونظر إلى حفلة العرس الزاهية بحنق عظيم وأمر حملة النعش باستئناف السير، فلم يصادف أمره سامعا مطيعا.
فتقدم الكونت كلارفيل وخاطب جماعته قائلا: أيها الأصحاب، اعتبروا الموتى وافتحوا الطريق لمرور النعش.
صفحه نامشخص