وعندما بزغت الشمس سألت زبيدة أمها عن مكان قبر محمود، وأخذت معها سرورا، فانطلقت إلى القبر هالعة جازعة، حتى إذا بلغته رأت امرأة جاثية عنده، مطرقة ذاهلة، فلم تتبين وجهها، فجثت قبالتها في صمت وخشوع، ثم غلبتها الزفرات فتنبهت المرأة ورفعت رأسها، وحين نظرت زبيدة إليها من خلال الدموع صاحت: لورا؟ أنت لورا؟ ونظرت إليها لورا نظرة المذهول وقالت: زبيدة؟ أحقا أنت زبيدة؟ ثم غلبهما البكاء فأطرقتا، وطال هذا الإطراق، حتى إذا قلق سرور لطول صمتهما قام فرأى لهوله أنهما فارقتا الحياة، فأسرع إلى سيدته فأخبرها الخبر الأليم.
وشاع الأمر في المدينة، فجاء السيد علي الحمامي وجاء نيكلسون، وتزاحم الناس فحملوا الجثتين، وبعد صلاة الظهر احتفل أهل رشيد لجنازتهما، ووضعوهما في نعش واحد، ودفنوهما في قبر واحد.
وإذا ذهبت إلى رشيد اليوم وقصدت إلى مدفن شهاب، رأيت قاعة طال القدم على جدرانها، بها قبر نثرت عليه الأزهار، ورأيت رخامة كتب عليها بخط الثلث الجميل: (هذا قبر الشهيدتين)
صفحه نامشخص