فذهلت لهذه الكلمات حتى خيل لي أنه أحمق، وجعلت أنظر إليه كأني غير مصدق ذلك، ولكن أنى لي أن أرفض سعادة قد انتظرتها زمنا طويلا، والآن وافتني دون منازع، فما يهمني أمره حاذقا كان أو مختلا. فقلت: وما أدراك أن بولينا ترتضي بي؟ - إنها لأطوع لي من بناني، فلا تعصي لي أمرا لا سيما والغاية آيلة لنجاح مستقبلها. - ولكن كيف يتم ذلك بمدة وجيزة، فهلا تؤخر سفرك؟ - لا يمكنني ذلك أصلا، ولكني أصحبها معي بعد أن أرجع لك المال، هذا إذا لم أكن على ثقة من أني أتركها بين يدي من يودها كنفسه.
فنهضت حينئذ قائلا: هيا بنا نتوجه إليها فنرى ما يكون من أمرها.
وفي أثناء هذه المحادثة كنت جالسا قرب النافذة، فحجب ظلي النور عن وجه الغريب الذي كان جالسا أمامي ينظر إلي بإمعان وأنا غير منتبه لذلك.
ثم قال: أذكر أني رأيتك في وقت ومكان أجهلهما. - لقد أبصرتني منذ ثلاثة أشهر في دير الكاثوليك في تورين.
فتظاهر أنه استفاق لهذه الذكرى مكتفيا مئونة التفكر، ثم رغب إلي في المسير فجاريته مسرورا بعد أن تجرع كل منا كأسا من الخمر. ولم نسر طويلا حتى وقف تجاه مسكن صغير، وقال: انتظر هنا قليلا غير مأمور ريثما أدخل وأعلم بولينا بقدومك.
فاندهشت لسرعة وصولنا وعجبت لجهلي مقرهما بينما هما على مقربة مني. فلبثت برهة وإذا بتيريزا مقبلة نحوي وعيناها الصغيرتان تبرق إشارة الظفر والانتصار ولسان حالها يطالبني بإنجاز الوعد، وقالت بعد أن طارحتني السلام: هل أحسنت في دوري؟ - جزاك الله عني خيرا فلست أنسى صنيعك، ولسوف أنقدك المبلغ عاجلا. - أصغ يا مستر فوكهان، فإن هذا آخر كلامي معك، إن الآنسة بولينا مارك ليست أهلا للزواج.
أما أنا فلم أعرها أذنا صاغية، بل دنوت من الباب، فلما رأتني على تلك الحال مالت برأسها عني قائلة: إن الكلام لا يجدي معك نفعا، فتكرم بالدخول الآن لأني إنما أتيت لأدعوك.
ثم اتجهت بي نحو غرفة رأيت فيها بولينا جالسة وإلى جانبها خالها، فحينما شعرت بقدومي رفعت إلي نظرها باسمة، ثم نهضت على قدميها، فأسرع الطبيب وأخذني بيدي وقدمني إلى ابنة شقيقته قائلا: هل سبقت لك معرفة يا بولينا بالمستر فوكهان؟ - نعم. - هو يرغب في الاقتران منك فهل تجيبي طلبه؟ - نعم إذا أراد ذلك.
أجابت بصوت رخيم دون ارتباك أو خجل. فسكرت بخمرة الفرح وصرخت بلهفة: بولينا أنت سؤلي وغايتي من الحياة، فبك رجائي وعليك قد علقت آمالي، فهل يمكنني أن أرفض سبب سعادتي؟
ولم آت على آخر كلامي حتى سحبت يدها من يدي وفرت من الغرفة بخفة الظبي.
صفحه نامشخص