جورج بوشنر: الأعمال المسرحية الكاملة
جورج بشنر: الأعمال المسرحية الكاملة
ژانرها
بأنها «أكثر المسرحيات التي سحرتني».
تقديم جورج بشنر
1813-1837م
كاتب ثائر وطبيب، عبر عن صرخة الخليقة المعذبة من عبث الوجود وفنائه، هذه الصرخة التي لا نزال نسمع صداها في الأدب العالمي حتى اليوم.
ولد في دارمشتات (مقاطعة هسن في ألمانيا)، كان أبوه طبيبا ريفيا عمل فترة في حرس نابليون، فتعلم كيف يقدر كل ما هو فرنسي، وكانت أمه التقية تجل الشاعر الكبير شيلر فوق كل شيء. التحق بالمدرسة الثانوية في دارمشتات، وعرف بميله إلى الفيزياء والرياضة، كما درس الطب في شتراسبورج، وأفعم قلبه بالثورة والحرية والتمرد على الطغيان في بلاده، وتعرف على خطيبته مينايجله التي كتب إليها رسائل من أجمل ما عرف الأدب الألماني. أكمل دراسة الطب في مدينة جيسن (1833م) التي أقام فيها في ظل حكم بوليسي متعنت، جعله يعاني أول أزمات حياته، ويشارك مشاركة إيجابية في الثورة، فيؤلف بيانا يحرض فيه الفلاحين على الثورة على مستغليهم سماه «رسول هسن» (1834م).
إنه يعود في أوائل عام 1834م إلى جيسن ليواصل دراسة الطب، بعد أن أمضى في بيت أبويه في دارمشتات فترة استشفاء من التهاب في المخ أصابه نتيجة أزمات نفسية متكررة. كانت الظروف السياسية في بلده لا تحتمل، وقد كتب قبل عودته إلى جيسن وهو على فراش مرضه إلى صديقه أوجست شتوبر يقول: «إن الظروف السياسية تكاد تصيبني بالجنون، إن الشعب المسكين يجر في صبر العربة التي يمثل عليها الأمراء وأدعياء التحرر ملهاتهم.» كانت الأسابيع القليلة التي قضاها في بيت أبويه كافية ليعرف عن كثب جبروت الدولة البوليسية الحاكمة، ولم يكن من الممكن بعد ذلك أن يبتعد بنفسه عن مجرى الأحداث، ولا لعاطفته الجياشة المتطلعة إلى الحرية والعدل أن تقنع بمجلدات الطب والفلسفة والتاريخ التي كان يغرق نفسه فيها ليل نهار.
كانت البلاد الألمانية الممزقة ما تزال تئن تحت حكم أمراء يتمسكون بحقهم الإلهي المطلق ، وكانت الوحدة الألمانية التي تمت بعد هزيمة نابليون وحدة فاسدة، استطاعت حقا أن تمنع الحروب بين الدويلات المتحدة، ولكنها لم تستطع أن توطد دعائم السلام. وكان الشباب يتوقون إلى الحرية في الداخل والخارج، وشعارات الثورة الفرنسية لا تزال تصرخ في آذانهم، وشوقهم إلى الحقوق المدنية وإنصاف الطبقات المظلومة يؤرق نومهم. كان دستور إمارة هسن الكبرى - موطن بشنر - الذي صدر في عام 1820م مجرد حبر على ورق. لقد أوجد بالفعل مجلسا نيابيا، ولكن حق الترشيح لعضوية هذا المجلس ظل مقصورا على ألف شخص فحسب من بين 70 ألفا من رعايا الإمارة! وكانت أغلبية هؤلاء الألف من كبار الموظفين، والقادرين على دفع مائة «جولد» من الذهب على الأقل ضرائب كل عام. وهكذا كان من حقهم أن يفرضوا الضرائب، ولكن لم يكن ينتظر منهم أن يعفو الشعب منها. ونشبت ثورة الفلاحين في «سودل» من مقاطعة هسن العليا، ولكنها سرعان ما أخمدت بقوة السلاح، وتركت وراءها المرارة التي لا حد لها في نفوس الشعب. وسوف يشير بشنر إلى هذه الحادثة في بيانه الثوري فيما بعد حيث يقول: «إن الجنود يخرسون بطبولهم تنهداتكم، وببنادقهم يمزقون رءوسكم، حين تجسرون على التفكير في أنكم بشر أحرار. إنهم السفاحون الشرعيون، الذين يحمون اللصوص الشرعيين. تذكروا سودل! إن إخوتكم وأبناءكم قد قتلوا هناك آباءهم وإخوتهم.»
1
كانت السنوات التي امتدت من 1815م إلى 1830م في ألمانيا في تلك الفترة التي تلت الحرب المريرة على نابليون سنوات جوع وحرمان وقهر لجموع الفلاحين والعمال اليدويين، وكانوا يقفون في جانب، مثقلين بالضرائب، مهددين بالعبودية والجوع، بينما يقف الموظفون الأذلاء ورجال البلاط والعسكريون في جانب آخر، وكانت أخبار الظلم الذي يزداد عليهم يوما بعد يوم تصل إلى بشنر وهو يدرس في شتراسبورج، ثم وهو يواصل دراسته في جيسن. ولم يكن من الممكن في نطاق المدينة الجامعية الصغيرة، وعيون الجواسيس تحيط بالطلبة من كل جانب، أن يخفي سخطه على الأوضاع الظالمة في بلاده، وتطلعه إلى العدالة واحترام الإنسان في ظل نظام جمهوري حر.
وبدأت شرارات الثورة تتجمع، ثورة صغيرة بغير شك قوامها الطلبة والمتعلمون وبعض أساتذة المدارس والجامعات، تقلق رجال البوليس أكثر مما تحرك مشاعر الشعب الذي كان لا يكاد يعرف عنها شيئا. وكان بشنر يشارك في تمرد المثقفين دون أن يخفي سخطه عليهم وارتيابه فيهم؛ ذلك أنه لم يؤمن بثورة تأتي من أعلى، وتردد شعارات الحرية والمساواة، بينما الشعب محروم من حقوقه الأولية، رازح تحت نير الجوع والظلم والوحشية، وكان لا بد في رأيه أن يرفع الحرمان المادي والظلم الاجتماعي عن الشعب قبل التفكير في حقوقه السياسية، وها هو ذا يعبر عن ذلك في بيانه الثوري فيقول: «إن الضغط المادي الذي ينوء به جزء كبير من الشعب الألماني يبعث على السخط والحزن، مثله مثل الضغط الروحي، وليس من المؤلم في نظري ألا يسمح لهذا المثقف أو ذلك بالتعبير عن أفكاره بقدر ما يؤلم حقا أن نجد آلاف الأسر لا تملك أن تسوي بطاطسها.» لقد كان كل همه أن يجد الإنسان يحترم في وطن يحرره من الظلم والجوع والهوان.
صفحه نامشخص