يتضمن ما ينبغي أن يعتقد في العموم وهي عقيدة أهل الإسلام مسلمة من غير نظر إلى دليل ولا إلى | برهان | | فيا إخوتي المؤمنين ، ختم الله لنا ولكم بالحسنى لما سمعت قوله تعالى عن نبيه هود عليه السلام حين قال لقومه | المكذبين به وبرسالته : ^ ( إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون ) ^ [ هود : 54 ] فأشهد عليه السلام قومه مع كونهم مكذبين | به على نفسه بالبراءة من الشرك بالله والإقرار بأحديته ، لما علم عليه السلام أن الله سبحانه سيوقف عباده بين يديه ويسألهم | عما هو عالم به لإقامة الحجة لهم أو عليهم حتى يؤدي كل شاهد شهادته ، وقد ورد أن المؤذن يشهد له مدى صوته من | رطب ويابس وكل من سمعه ولهذا يدبر الشيطان عند الأذان وله حصاص وفي رواية وله ضراط وذلك حتى لا يسمع نداء | المؤذن بالشهادة فيلزمه أن يشهد له فيكون بتلك الشهادة له من جملة من يسعى في سعادة المشهود له وهو عدو محض | ليس له إلينا خير البتة لعنه الله ، وإذا كان العدو لا بد أن يشهد لك بما أشهدته به على نفسك فأحرى أن يشهد لك وليك | وحبيبك ، ومن هو على دينك وملتك ، وأحرى أن تشهده أنت في الدار الدنيا على نفسك بالوحدانية والإيمان . فيا أخوتي | ويا أحبائي رضي الله عنكم ، أشهدكم عبد ضعيف مسكين فقير إلى الله تعالى في كل لحظة وطرفة ، وهو مؤلف هذا الكتاب | ومنشئه ، أشهدكم على نفسه بعد أن أشهد الله تعالى وملائكته ، ومن حضره من المؤمنين وسمعه أنه يشهد قولا وعقدا ، | أن الله تعالى إله واحد ، لا ثاني له في ألوهيته منزه عن الصاحبة والولد ، مالك لا شريك له ملك لا وزير له ، صانع لا مدبر | معه ، موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده ، بل كان موجود سواه مفتقر إليه تعالى في وجوده ، فالعالم كله موجود | به ، وهو وحده متصف بالوجود لنفسه ، لا افتتاح لوجوده ، ولا نهاية لبقائه ، بل وجود مطلق غير مقيد قائم بنفسه ، ليس | بجوهر متحيز فيقدر له المكان ، ولا بعرض فيستحيل عليه البقاء ، ولا بجسم فتكون له الجهة والتلقاء ، مقدس عن | الجهات والأقطار ، مرئي بالقلوب والأبصار ، إذا شاء استوى على عرشه كما قاله ، وعلى المعنى الذي أراده ، كما أن | العرش وما سواه به استوى ، وله الآخرة والأولى ، ليس له مثل معقول ولا دلت عليه العقول ، لا يحده زمان ، ولا يقله | مكان ، بل كان ولا مكان ، وهو على ما عليه كان ، خلق المتمكن والمكان ، وأنشأ الزمان ، وقال أنا الواحد الحي لا يؤوده | حفظ المخلوقات ، ولا ترجع إليه صفة لم يكن عليها من صنعة المصنوعات ، تعالى أن تحله الحوادث أو يحلها ، أو تكون | بعده أو يكون قبلها ، بل يقال كان ولا شيء معه ، فإن القبل والبعد من صيغ الزمان الذي أبدعه ، فهو القيوم الذي لا ينام ، | والقهار الذي لا يرام ، ليس كمثله شيء ، خلق العرش وجعله حد الاستواء ، وأنشأ الكرسي وأوسعه الأرض والسموات | العلى ، اخترع اللوح والقلم الأعلى ، وأجراه كاتبا بعلمه في خلقه إلى يوم الفصل والقضاء ، أبدع العالم كله على غير مثال | سبق ، وخلق الخلق ، وأخلق الذي خلق ، أنزل الأرواح في الأشباح أمناء ، وجعل هذه الأشباح المنزلة إليها الأرواح في | الأرض خلفاء ، وسخر لنا ما في السموات وما في الأرض جميعا منه ، فلا تتحرك ذرة إلا إليه وعنه ، خلق الكل من غير | حاجة إليه ، ولا موجب أوجب ذلك عليه ، لكن علمه سبق بأن يخلق ما خلق ، فهو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، وهو | على كل شيء قدير ، أحاط بكل شيء علما ، وأحصى كل شيء عددا ، يعلم السر وأخفى ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي | الصدور ، كيف لا يعلم شيئا هو خلقه ، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ، علم الأشياء منها قبل وجودها ، ثم أوجدها | على حد ما علمها ، فلم يزل عالما بالأشياء ، لم يتجدد له علم عند تجدد الإنشاء ، بعلمه أتقن الأشياء وأحكمها ، وبه حكم | عليها من شاء وحكمها ، علم الكليات على الإطلاق ، كما علم الجزئيات بإجماع من أهل النظر الصحيح واتفاق ، فهو | عالم الغيب والشهادة ، فتعالى الله عما يشركون ، فعال لما يريد ، فهو المريد الكائنات ، في عالم الأرض والسموات ، لم | تتعلق قدرته بشيء حتى أراده ، كما أنه لم يرده حتى علمه إذ يستحيل في العقل أن يريد ما لا يعلم ، أو يفعل المختار | المتمكن من ترك ذلك الفعل ما لا يريد ، كما يستحيل أن توجد نسب هذه الحقائق في غير حي ، كما يستحيل أن تقوم | الصفات بغير ذات موصوفة بها ، فما في الوجود طاعة ولا عصيان ، ولا ربح ولا خسران ، ولا عبد ولا حر ، ولا برد ولا | حر ، ولا حياة ولا موت ، ولا حصول ولا فوت ، ولا نهار ولا ليل ، ولا اعتدال ولا ميل ، ولا بر ولا بحر ، ولا شفع ولا | | وتر ، ولا جوهر ولا عرض ، ولا صحة ولا مرض ، ولا فرح ولا ترح ، ولا روح ولا شبح ، ولا ظلام ولا ضياء ، ولا أرض | ولا سماء ، ولا تركيب ولا تحليل ، ولا كثير ولا قليل ، ولا غداة ولا أصيل ، ولا بياض ولا سواد ، ولا رقاد ولا سهاد ، ولا | ظاهر ولا باطن ، ولا متحرك ولا ساكن ، ولا يابس ولا رطب ، ولا قشر ولا لب ، ولا شيء من هذه النسب المتضادات | منها والمختلفات والمتماثلات إلا وهو مراد للحق تعالى ، وكيف لا يكون مرادا له وهو أوجده ، فكيف يوجد المختار ما لا | يريد ، لا راد لأمره ، ولا معقب لحكمه ، يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء ، ويعز من يشاء ويذل من يشاء ، | ويضل من يشاء ويهدي من يشاء ، ما شاء كان وما لم يشأ أن يكون لم يكن ، لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يريدوا شيئا | لم يرد الله تعالى أن يريدوه ما أرادوه ، أو يفعلوا شيئا لم يرد الله تعالى إيجاده وأرادوه عندما أراد منهم أن يريدوه ما فعلوه ، | ولا استطاعوا على ذلك ، ولا أقدرهم عليه ، فالكفر والإيمان والطاعة والعصيان من مشيئته وحكمه وإرادته ، ولم يزل | سبحانه موصوفا بهذه الإرادة أزلا ، والعالم معدوم غير موجود ، وإن كان ثابتا في العلم في عينه ، ثم أوجد العالم من غير | تفكر ولا تدبر عن جهل أو عدم علم ، فيعطيه التفكر والتدبر علم ما جهل جل وعلا عن ذلك ، بل أوجده عن العلم | السابق ، وتعيين الإرادة المنزهة الأزلية القاضية على العالم بما أوجدته عليه ، من زمان ومكان ، وأكوان وألوان ، فلا مريد | في الوجود على الحقيقة سواه ، إذ هو القائل سبحانه : ^ ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) ^ [ الإنسان : 30 ] وأنه سبحانه كما علم | فأحكم ، وأراد فخصص ، وقدر فأوجد ، كذلك سمع ورأى ما تحرك أو سكن ، أو نطق في الورى من العالم الأسفل | والأعلى ، لا يحجب سمعه البعد فهو القريب ، ولا يحجب بصره القرب فهو البعيد ، يسمع كلام النفس في النفس ، | وصوت المماسة الخفية عند اللمس ، ويرى السواد في الظلماء ، والماء في الماء ، لا يحجبه الامتزاج ولا الظلمات ولا | النور ، وهو السميع البصير ، تكلم سبحانه لا عن صمت متقدم ، ولا سكوت متوهم ، بكلام قديم أزلي ، كسائر صفاته من | علمه وإرادته وقدرته ، كلم به موسى عليه السلام ، سماه التنزيل ، والزبور والتوراة والإنجيل ، من غير حروف ولا أصوات | ولا نغم ولا لغات ، بل هو خالق الأصوات والحروف واللغات ، فكلامه سبحانه من غير لهاة ولا لسان ، كما أن سمعه من | غير أصمخة ولا آذان ، كما أن بصره من غير حدقة ولا أجفان ، كما أن إرادته في غير قلب ولا جنان ، كما أن علمه من غير | الزيادة والنقصان ، فسبحانه سبحانه ، من بعيد دان عظيم السلطان ، عميم الإحسان ، جسيم الامتنان ، كل ما سواه ، فهو | ملكه ، ولا مدبر معه في ملكه ، إن أنعم فنعم فذلك فضله ، وإن أبلى فعذب فذلك عدله ، لم يتصرف في ملك غيره فينسب | إلى الجور والحيف ، ولا يتوجه عليه لسواه حكم فيتصف بالجزع لذلك والخوف ، كل ما سواه تحت سلطان قهره ، | ومتصرف عن إرادته وأمره ، فهو الملهم نفوس المكلفين التقوى والفجور ، وهو المتجاوز عن سيئات من شاء ، والآخذ بها | من شاء ، هنا وفي يوم النشور ، لا يحكم عدله في فضله ولا فضله في عدله ، أخرج العالم قبضتين ، وأوجد لهم منزلتين ، | فقال هؤلاء للجنة ولا أبالي ، وهؤلاء للنار ولا أبالي ، ولم يعترض عليه معترض هناك ، إذ لا موجود كان ثم سواه ، فالكل | تحت تصريف أسمائه ، فقبضة تحت أسماء بلائه ، وقبضة تحت أسماء آلائه ، ولو أراد سبحانه أن يكون العالم كله سعيدا | لكان ، أو شقيا لما كان من ذلك في شأن ، لكنه سبحانه لم يرد فكان كما أراد ، فمنهم الشقي والسعيد هنا وفي يوم المعاد ، | فلا سبيل إلى تبديل ما حكم عليه القديم ، وقد قال تعالى في الصلاة هي خمس وهي خمسون ^ ( ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام | للعبيد ) ^ [ ق : 29 ] لتصرفي في ملكي ، وإنفاذ مشيئتي في ملكي ، وذلك لحقيقة عميت عنها الأبصار والبصائر ، ولم | تعثر عليها الأفكار ولا الضمائر إلا بوهب ، ألا هي وجود رحماني لمن اعتنى الله به من عباده ، وسبق له ذلك بحضرة | أشهاده ، فعلم حين أعلم أن الألوهة أعطت هذا التقسيم ، وأنه من رقائق القديم ، فسبحان من لا فاعل سواه ، ولا موجود | | لنفسه إلا إياه ^ ( والله خلقكم وما تعملون ) ^ [ الصافات : 96 ] ^ ( لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ) ^ [ الأنبياء : 23 ] ^ ( فلله | الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ) ^ [ الأنعام : 149 ] .
الشهادة الثانية : وكما أشهدت الله وملائكته وجميع خلقه وإياكم على نفسي بتوحيده ، فكذلك أشهده سبحانه | وملائكته وجميع خلقه وإياكم على نفسي بالإيمان بمن اصطفاه واختاره واجتباه من وجوده ، ذلك سيدنا محمد [ & ] الذي | أرسله إلى جميع الناس كافة بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، فبلغ [ & ] ما أنزل من ربه إليه وأدى أمانته ، | ونصح أمته ، ووقف في حجة وداعه على كل من حضر من أتباعه ، فخطب وذكر ، وخوف وحذر ، وبشر وأنذر ، ووعد | وأوعد ، وأمطر وأرعد ، وما خص بذلك التذكير أحدا من أحد عن إذن الواحد الصمد ، ثم قال : ' ألا هل بلغت ؟ ' فقالوا : | بلغت يا رسول الله ، فقال [ & ] : ' اللهم اشهد ' . وإني مؤمن بكل ما جاء به [ & ] مما علمت وما لم أعلم ، فمما جاء به فقرر | أن الموت عن أجل مسمى عند الله إذا جاء لا يؤخر ، فأنا مؤمن بهذا إيمانا لا ريب فيه ولا شك ، كما آمنت وأقررت أن | سؤال فتاني القبر حق ، وعذاب القبر حق ، وبعث الأجساد من القبور حق ، والعرض على الله تعالى حق ، والحوض حق ، | والميزان حق ، وتطاير الصحف حق ، والصراط حق ، والجنة حق ، والنار حق ، وفريقا في الجنة وفريقا في النار حق ، | وكرب ذلك اليوم حق على طائفة وطائفة أخرى لا يحزنهم الفزع الأكبر وشفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين ، وإخراج | أرحم الراحمين بعد الشفاعة من النار من شاء حق ، وجماعة من أهل الكبائر المؤمنين يدخلون جهنم ثم يخرجون منها | بالشفاعة والامتنان حق ، والتأبيد للمؤمنين والموحدين في النعيم المقيم في الجنان حق ، والتأبيد لأهل النار في النار | حق ، وكل ما جاءت به الكتب والرسل من عند الله علم أو جهل حق ، فهذه شهادتي على نفسي أمانة عند كل من وصلت | إليه أن يؤديها إذا سئلها حيثما كان ، نفعنا الله وإياكم بهذا الإيمان ، وثبتنا عليه عند الانتقال من هذه الدار إلى الدار | الحيوان ، وأحلنا منها دار الكرامة والرضوان ، وحال بيننا وبين دار سرابيلها من القطران ، وجعلنا من العصابة التي أخذت | الكتب بالإيمان ، وممن انقلب من الحوض وهو ريان ، وثقل له الميزان ، وثبتت له على الصراط القدمان ، إنه المنعم | المحسان ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق . |
فهذه عقيدة العوام من أهل الإسلام أهل التقليد وأهل النظر ملخصة مختصرة
ثم أتلوها إن شاء الله بعقيدة الناشية الشادية ضمنتها اختصار الاقتصاد بأوجز عبارة ، نبهت فيها على مآخذ الأدلة | لهذه الملة ، مسجعة الألفاظ ، وسميتها برسالة المعلوم من عقائد أهل الرسوم ، ليسهل على الطالب حفظها ، ثم أتلوها | بعقيدة خواص أهل الله ، من أهل طريق الله من المحققين أهل الكشف والوجود ، وجردتها أيضا في جزء آخر سميته | المعرفة ، وبه انتهت مقدمة الكتاب . وأما التصريح بعقيدة الخلاصة فما أفردتها على التعيين لما فيها من الغموض ، لكن | جئت بها مبددة في أبواب هذا الكتاب مستوفاة مبينة لكنها كما ذكرنا متفرقة ، فمن رزقه الله الفهم فيها يعرف أمرها ويميزها | من غيرها فإنه العلم الحق ، والقول الصدق ، وليس وراءها مرمى ، ويستوي فيها البصير والأعمى ، تلحق الأباعد بالأداني ، | وتلحم الأسافل بالأعالي ، والله الموفق لا رب غيره . |
وصل الناشي والشادي في العقائد
صفحه ۷۷