ويستطيع صاحب المنصب الرفيع أن يفعل الخير والشر، وفعل الشر لعنة، فإن أحسن الحالات بالنظر إليه ألا تريده، وتليه الحالة اللاحقة وهي ألا تستطيعه.
لكن استطاعة الخير هي المسوغ الحق الجميل للطموح إلى الرفعة؛ لأن النيات الخيرة - وإن كانت مقبولة عند الله - ليست في حسبان الناس إلا كالأحلام ما لم تخرج من حيز النية إلى النفاذ، ولا يتسنى ذلك إلا بقوة المنصب الذي يشرف منه الرجل على سواه.
وللمرء في جهده غاية هي الأفضال وصالح الأعمال، وإن رؤية هذه الغاية تتحقق لهي الرضا والغبطة، ومن تشبه بالله في الخلق حري أن يتشبه به في النظر إلى آثاره، وقد جاء في التنزيل: «أنه - جل شأنه - نظر إلى صنع يديه فإذا هو كله جميل بالغ في الجمال»، ومن ثم جاء «السبت» والرضى «بعد ستة أيام من الخلق والتكوين».
وعليك في تصريف أعمالك أن تتخذ القدوة لأنها هداية، ثم تتخذ نفسك مقياسا لك بعد فترة من الزمن؛ لترى هل كان صنيعك في البداية خيرا من ذاك، ولا تنس أمثلة الذين أساءوا الصنيع في مثل مكانك؛ لتجتنب الإساءة لا لتنحي باللائمة عليها.
فكن إذن مصلحا بغير زهو ولا ملامة للأزمنة السابقة أو الرجال السابقين، وليكن همك أن تنشئ السوابق الحسنة لمن يليك، كما تتبع السوابق الحسنة ممن تقدم عليك.
وارجع بالأمور إلى أصولها لتنظر كيف حاق بها النقص والإدبار، واقتبس العبرة من كلا الزمنين: من الزمن السابق فيما هو الأكمل، ومن الزمن الأخير فيما هو الأصلح والأوفق والميسور بالقياس إليه.
واجعل عملك على وتيرة منتظمة ليعرف الناس سلفا ما يترقبون منك، ولكن لا تلتزم الجزم والجمود على حال، وحسبك إذا انحرفت عن جادتك أن تحسن الإبانة عن علة هذا الانحراف.
واحفظ لمنصبك حقه، ولكن في غير حاجة إلى إثارة النصوص القانونية، وإنما تحفظ له حقه في سكون، وبالعمل الواقع دون اللجاجة والدعوى.
واحفظ كذلك حق ما دونك من المناصب، واعتبر أنه لأشرف لك أن توجه مرءوسيك وأنت في مكان الرئاسة من أن تتولى أعمالهم كلها بيديك.
واطلب المعونة والنصيحة فيما يمس منصبك، ولا تقص عنك أولئك الذين يتطوعون لك بأخبارهم ومعلوماتهم كأنهم فضوليون، بل تقبل منهم أحسن قبول.
صفحه نامشخص