الأعضاء الإداريون في الشركة نصف الأرباح؟ كذلك لا يعقل أن يأخذ الموظفون نصف موازنة الدولة رواتب لهم.
...
وقبل أن ندع الحديث عن وجائب الموظفين نعرض هذه المسألة: هل الموظفون عمال يقومون بعمل بعينه ثم إذا وفّوه كانوا أحرارًا في أوقاتهم وأعمالهم، أم هم مقيَّدون خارج الوظيفة ببعض القيود؟ وبالعبارة الثانية: ما هي علاقة الأخلاق والسلوك بالوظيفة؟ لا أعني التفكير والاتجاه السياسي أو العمل الأدبي، فإنه لا خلاف في أن للموظف أن يفكّر كما يشاء أو يعمل أي عمل علمي أو أدبي أراد، ويأتي كل ما يجيزه القانون لغيره من الأعمال العامة (١) ولكن أعني السلوك الشخصي، وأكثر الناس على التفريق بين الأخلاق الاجتماعية، كالصدق والأمانة والأخلاق الشخصية كالعفاف فلا يرون ما يمنع الموظف إذا كان أمينًا على أموال الدولة، قائمًا بما أسندت إليه من عمل أن يسلك سبيل اللهو، وينتهز اللذَّات، ويلبِّي صوت نفسه وجسمه، ولا يرون ذلك قادحًا، ولا يجدون له صلة بالوظيفة.
وهذا الرأي باطل كلّ البطلان، لا سيما في بلاد كبلادنا لا يزال الناس ينظرون فيها إلى الموظف (والموظف الكبير على التخصيص) نظرة إجلال وإكبار، ويتَّخذونه قدوة ويسلكون مسلكه، وقديمًا قيل: الناس على دين ملوكهم، فإذا فسد الموظفون فسدت الأخلاق العامة، ثم إن من الوظائف ما له علاقة ماسَّة بالأخلاق وما ينبغي في صاحبه الكمال حتى يكون في نظر الناس سالمًا من الشوائب منزَّهًا عن المعايب كوظائف المعارف (التعليم) والعدلية (القضاء). فما ظنُّك بمدرس يقوم في النهار واعظًا معلمًا، يوفَّى التبجيل، يكاد يكون رسولًا ... فإذا كان الليل اجتمع هو وتلميذه في الحانة أو الماخور أو اجتمع معه على باطل ...
_________
(١) مقالي «الوظيفة والموظفون» الذي وجهته إلى وزير معارف سورية يوم كنت معلمًا ابتدائيًا في وزارته فقد أوضحت فيه هذه المسألة وعقدته على بيانها وهو في كتابي (مع الناس).
1 / 66