علم ميتافيزيك) علم ما وراء الطبيعة، وجرى على ذلك إمام الفلاسفة الوضعيين أوغست كونت.
فالعقل إذن قاصر حكمه على ما يدرك بالحس، وليس عنده إلا مجموعة تجاربه الحسية، فإذا جاوزها كان كالعدم، وحسب العقل هوانًا في المجرَّدات، أنه ينكر أقدس شيئين في الوجود ولا يستطيع أن يفهمهما: الحب والإيمان.
سلِ العقل، ما الحب؟ ينبئك بأنه جنون! وما الفرق عند العقل بين ليلى ولبنى وسلمى وأي امرأة أخرى، ما دامت الغاية عنده الحمل والولد وبقاء النسل؟ ومن يُقْدم في الحرب على الموت، هل كان يقدم لو نزعت الحماسة من نفسه وهي عاطفة وتركته لعقله ولما يحسن العقل من محاكمات جافة؟ هل يجود لولا هزَّة الأريحية جواد بنوال؟ هل يقبل إنسان على تضحية أو بذل لولا العاطفة؟ هل يعرف العقل إلا المنفعة؟ لقد أحسن التعبير عن العقل المتنبي حين قال:
الجود يفقر والإقدام قَتّال
...
سيقول قائل، إن أساس الإيمان، الاعتقاد بوجود الله، فهل هو غريب عن العقل؟ لا، إن الاعتقاد بوجود الله من بديهيات العقل، فلا يعيش عقل بلا اعتقاد بإله كما يقول (دوركيم)، والإنسان بهذا المعنى حيوان ذو دين، وذلك لأن تجارب العقل ومحسَّات الحواس التي يستند في حكمه إليها، توصل حتمًا إلى الاعتقاد بوجود إله، وسواء كان منشأ هذا الاعتقاد الخوف أو التطلع إلى المجهول، كما هو مبين في كتب الميتافيزيك، فلا شك في أنه بديهي، أما ما عداه من شُعَبِ الإيمان وأركانه، كمعرفة صفات الله، والإيمان بالمغيبات، والقضاء والقدر، فلا يستطيع العقل أن يقيم الدليل على نقضها ولكنه لا يستطيع أبدًا فهمها، ولا أظنني بحاجة إلى بيان الفرق بين الاعتقاد بوجود شيء وبين فهمه ومعرفة حقيقته، هذا وليس من مصلحة الدين ولا المتدينين أن نخلِّي بين العقل
1 / 29