ثم أقول: قد ذكر أهل التفسير والمغازي أن أفرادا من الأنصار أو المهاجرين فضلا عن الطلقاء والأعراب قد اتهموا بالنفاق وبقي الاضطراب فيهم دون حسم أمثال أوس بن قيظي والجلاس بن سويد ومعتب بن قشير وغيرهم فليس الرجل من الطلقاء إذا لم يحسن أولى بالتبرئة والدفاع عنه من هؤلاء، فليست البراءة أقرب للطلقاء الذين كان فساد الأمة على أيديهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك كما ثبت في حديث الأغيلمة السفهاء في صحيح البخاري وكذلك حديث الملك العضوض وغير ذلك من الأحاديث والتاريخ يشهد لهذا.
فالقرآن الكريم إذا أثنى على طائفة فهذا مشروط بالاستمرار على الاستقامة وإلا لكان الثناء على بني إسرائيل وتفضيلهم على العالمين قائما إلى اليوم، لكنهم لما غيروا وبدلوا لم يكن ثناء الله عليهم بما كانوا عليه بمانعهم من العذاب عند التبدل.
وهذا ما لم يفهمه غلاة أهل السنة في معمعة الصراع مع الشيعة والمعتزلة فأخذوا يدافعون عن معاوية بالآيات الكريمة التي نزلت في فضل المهاجرين والأنصار مع أن معاوية لم يكن منهم ولو كان من المهاجرين أو الأنصار لما جاز الدفاع عنه بالعموم وإنما يدافع عنه إما بإبطال ما نسب إليه أو القول بصحة ما أخطأ فيه وبيان أنه مباح شرعا؛ فإن لم ننقل هذا ولا هذا فلم يبق إلا الاعتراف بخطئه، إذن فالعموم لا يحكم على الخاص وإنما يستأنس بالعموم استئناسا لكنه ليس موضع احتجاج عند وجود المعارض الخاص القوي .
صفحه ۲۴