قلت لعلاء ذلك المساء: «لا مشكلة حقا ما داموا متزوجين، فهؤلاء الشباب لا بد لهم من الزواج؛ وإذا كانت المرأة تمتلك المال، فلا بأس إذن.»
رد علاء بسرعة: «كلا، هناك مشكلة كبيرة؛ فأنا أشاهد قريتي تتغير إلى الأسوأ كل يوم. معظم هؤلاء النساء أقمن علاقات مع نصف رجال الأقصر قبل أن يستقررن على الزواج بأحدهم . وعلى أي حال، هؤلاء الأجنبيات في عمر جدات من يتزوجوهن! لم يكن هذا يحدث من قبل قط. عندما كنت صغيرا، كان السياح الذين يأتون إلى هنا جديرين بالاحترام، وكان الواحد منا يفخر بدعوتهم إلى منزله. أما الآن، إذا اصطحبت أي امرأة أجنبية إلى قريتك - حتى وإن كانت جديرة بالاحترام - يظن الجميع أنك ستضاجعها.»
لكنه كان حريصا على أن يوضح أن كل هذا أقل ما يثير قلقه. «أريد أن أعرف ما سيئول إليه الحال عندما يكبر أبناؤهم؟ نحن بلدة محافظة تحكم بناتنا قواعد صارمة للغاية. فهن لا يخرجن بمفردهن بعد أن يحل الظلام، ولا يقمن علاقات جنسية قبل الزواج. أما الغرب فتحكمهم قواعد مختلفة. وربما تشب الفتيات ليصبحن مثل أمهاتهن ويضاجعن أي رجل يغمز لهن. نحن نفقد ثقافتنا وديننا، ولا أحد يكترث ما دامت المصلحة المادية قائمة.»
فكرت في أن أقول شيئا عن الاندماج الثقافي والعولمة وعن الصراع المحموم بين القديم والحديث، وفكرت أن أسأله هل يظن الفقر خيارا أفضل لهؤلاء الشباب في ظل انعدام خيار ثالث. لكن قبل أن أنطق بكلمة بدأ علاء حديثه مرة أخرى.
سألني: «أتدري ما الذي يشغل تفكيري حقا؟» ثم أردف قائلا:
إنها الأرض؛ فهذا الأمر يقلقني أكثر من قلقي على الثقافة. كادت جميع الأراضي أن تباع للأجنبيات. والأسعار آخذة في الارتفاع حتى إن سعر الأرض تضاعف في السنوات الخمس الأخيرة. كيف سيتحمل أبنائي عندما يكبرون تكاليف شراء أرض لبناء منزل عليها؟ سوف نطرد من أرضنا في النهاية. سوف تصبح منطقة محظورة؛ إذا لم تكن متزوجا من أجنبية فلن يسمحوا لك حتى بالدخول لدواعي أمنية. سيحرم المصريون من أرضهم! أتدري بم يذكرني ذلك؟ يذكرني باليهود في فلسطين. لنعد إلى التاريخ؛ فقبل عام 1948، كانت جميع الأراضي التي في حوزة اليهود تئول إليهم بطريقة مشروعة. هؤلاء الفلسطينيون كانوا مثل المصريين هنا في الأقصر. وانظر ماذا حدث. في النهاية نهبت أرض الفلسطينيين بالكامل، والآن تستعمر أرضنا في الخفاء.
يذكرني هذا بتعليق للدكتور أحمد عكاشة الطبيب النفسي القاهري حين قال لي: «منذ العصور القديمة والمصري معروف بأنه لا يترك مكانه أبدا، فشرف المصري أرضه.» إذا كان المصري يفقد شرفه عندما يغادر أرضه، فما الذي سيفقده عندما يبيعها للأجانب فضلا عن بيع جسده لعجوز أجنبية؟ ثمة هدف تسعى له وزارة السياحة هو بيع عشرة آلاف وحدة سكنية سنويا إلى الأجانب، وهي إحصائية لا شك أنها ستصيب علاء بالرعب الشديد، لكن ظاهرة الزواج بين الثقافات المختلفة أسوأ مما يدرك. في عام 2001، ذكر أن العاطلين المصريين يتجهون على نحو متزايد للزواج من إسرائيليات. وقد تقدم عضو مجلس الشعب المعارض عبد العزيز الحريري بشكوى إلى إحدى اللجان البرلمانية أن إسرائيل تشجع على هذا الاتجاه، وأن ارتفاع نسب البطالة يدفع المصريين إلى مثل هذه «الأفعال البائسة». ونقلت تقارير إخبارية في تلك الفترة قوله إن أعدادا متزايدة من المصريين يتزوجون من إسرائيليات هربا من شرك الفقر؛ وقدر الحريري أن أربعة عشر ألف مصري حتى ذلك الحين تزوجوا من إسرائيليات (وإن كان معظمهن من عرب إسرائيل من أصول فلسطينية). وفي العام نفسه، أصدر مفتي الديار المصرية فتوى بتحريم زواج المصري من إسرائيلية، وأوضح أن هذا الزواج من شأنه أن يساهم فيما أسماه بخطط إسرائيل لتدمير «الكيان العربي» وتنشئة أجيال من «الجواسيس المحتملين» لحساب إسرائيل. ومؤخرا، أشارت مجلة بيزنس مانثلي المصرية إلى تقديم مادة في قانون جديد تقصر مدد عقود التأجير إلى تسعة وتسعين عاما لمن يشتري عقارات في شرم الشيخ، وهو ما جاء نتيجة مباشرة للاعتقاد الذي ساد على نطاق واسع بأن الإسرائيليين يشترون كل ما يتاح أمامهم من أراضي سيناء التي وقعت في قبضة الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب الأيام الستة غير أنها عادت إلى مصر جزءا من اتفاقية السلام عام 1979. قال سمسار عقارات مصري تبدو عليه نزعة الشك للمجلة: «تبدو أسماء الكثير من المشترين أسماء يهودية.»
الواقع أنه في شرم الشيخ، كما هو في الأقصر وغيرها من المدن السياحية الأخرى (باستثناء طابا والمنتجعات الأخرى في سيناء حيث أغلبية السياح من الإسرائيليين)، تزداد أعداد السياح المقيمين من البريطانيين بمعدلات تفوق أي جنسية أخرى، إما سعيا وراء الاستثمار أو إيراد الإيجار أو للهرب فقط من الأحوال الجوية الكئيبة في بريطانيا. وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات مؤكدة لإجمالي عمليات البيع للأجانب في مدينة شرم الشيخ فإن مجلة بيزنس مانثلي قدمت تقديرا تقريبيا مأخوذا عن أرقام حصلت عليها من أربعة وكالات كبرى. وأشارت إلى أن الأجانب اشتروا على الأقل ثلاثة آلاف وحدة بين عامي 2004 و2007. وهناك - كما هو الحال في الأقصر والمنتجع الرئيسي الآخر في الغردقة - يجلس عشرات الرجال المصريين على ضفاف المياه يوزعون قبلات في الهواء على العجائز اللاتي يسرن أمامهم على أمل أن تتوقف إحداهن وتبدأ رحلة التعارف. وعلى أسوأ تقدير، سوف يجني الواحد منهم ما يعادل راتب شهر في حالة مصاحبة إحداهن إلى البيت لقضاء الليل معها. وفي أحسن الظروف سيجد أن المرأة تبحث عن الحب، فيعلنه لها من أعماق قلبه؛ ما دام حصوله على تأشيرة بريطانيا جزءا من الصفقة. •••
اتضح أن ثورة علاء على ذلك النحو بسبب موضوع الأجنبيات ذلك المساء كانت بسبب مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط قبل بضعة أيام، وطلب علاء من زوجته أن تحضره لنا من الطابق السفلي. وبينما كنت أتصفح المقال أخبرني أن جميع من في القرية قرأوا محتوى المقال باهتمام، وحسبما ذكر أصدقاؤه، لم تكن الأجنبيات تتحدثن عن شيء آخر سواه على المواقع الإلكترونية الخاصة بمدينة الأقصر التي نشرت ترجمة المقال باللغة الإنجليزية.
نقل على لسان مسئولي المدينة في المقال أن «البنية الاجتماعية في الأقصر ستشهد تغيرات بالغة إلى الأسوأ» إذا لم يتوقف الاتجاه الجديد لزواج أهل المدينة من أجنبيات، وسوف تشن حملة جديدة للتشديد على الشباب بأهمية الزواج من مصريات. صرح محافظ المدينة للصحيفة أن الدافع الرئيسي وراء هذه الزيجات هو دافع مادي «وليس تعبيرا عن الحب»، مضيفا أن تغيير هذا الوضع يكمن في خلق فرص عمل جديدة وملائمة للشباب. وقال إن هؤلاء الرجال يمثلون 40 بالمائة من إجمالي عدد الذكور في المدينة، وهي نسبة صاعقة. وذكر أيضا أن عائلات هؤلاء الشباب يفضلون زواجهم من فتيات المدينة؛ لكن في ظل «الظروف الاقتصادية الصعبة» يوافقون على أن زواجهم من الأجنبيات - «حتى وإن كانت أعمارهن ضعف أعمار الشباب» - هو فرصة لا ينبغي تفويتها من أجل تحسين مستوى المعيشة.
صفحه نامشخص