ذكرت ماجدة عدلي مديرة مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف فيما بعد أن عائلة محمد أخبرتها بأن جسده كانت به آثار حروق من الصعق الكهربي وحروق بدت أنها من أداة ساخنة. وذكر شقيق محمد أن محمدا عذب باستخدام ملف تسخين. وخلصت ماجدة عدلي إلى أن الصبي «تعرض للضرب والصعق الكهربي، وعندما صرخ وانتابته نوبات تشنج، ركله الضابط في صدره، وهو ما دمر رئته على ما يبدو.» وأضافت أن الغيبوبة التي سقط فيها قد يكون سببها تسمم في الدم أو إصابة بالرأس من أثر الضرب الشنيع الذي تعرض له.
أخبرت والدة محمد الصحفيين أن الأطباء الذين فحصوا جثمان ابنها في بادئ الأمر لاستصدار شهادة الوفاة له تشككوا أن وفاته لأسباب غير طبيعية، ونصحوها بأن تتقدم ببلاغ للنيابة، وحكت أن أحد وكلاء النيابة بكى عندما رأى جثمان الطفل، وأمر بنقله إلى مشرحة مستشفى المنصورة الجامعي. أظهر التشريح المبدئي للجثمان أن سبب الوفاة المباشر هو الإصابة بالتهاب رئوي. وقد يكون هذا صحيحا، لكن والدة محمد أرادت أن يجيبها الأطباء عن سبب إصابته بالالتهاب الرئوي، ورفضت أن تقبل نتائج التشريح وأن يغادر الجثمان المشرحة لدفنه. وزعمت في مقال كتبته مروة الأعسر عام 2009 على موقع
monstersandcritics.com
أن مسئولين رفيعي المستوى بالمنطقة وبعض رجال الشرطة عندئذ حاولوا «رشوتي وتهديدي في أحيان أخرى كي لا أتقدم بشكوى.» عارضين عليها مائتي دولار، وهو مبلغ كبير لربة أسرة فقيرة غير متعلمة ترعى أسرة كبيرة، لكنه لم يكفي لإقناع هذه المرأة الأبية المكلومة بالسكوت عن الأمر.
يزعم أن الشرطة لما سئمت المفاوضات، نقلت ببساطة جثمان محمد سريعا من المشرحة بدون إطلاع والدته ودفنته على ما يبدو في الوقت الذي ظل فيه الابن الآخر إبراهيم محتجزا، يجلس في مؤخرة شاحنة شرطة وهو يشاهد أخاه يدفن، فهل كان هذا إنذارا له بأن يخبر والدته بأن تصمت وإلا قتل هو أيضا؟
في تلك الأثناء، زعم إبراهيم أنه بدوره تعرض للتعذيب على أيدي رجال الشرطة الذين هددوه بتلفيق تهمة حيازة مخدرات له ما لم يشهد بأن الحروق التي حملها جسد أخيه كانت آثارا نجمت عن سلك مكهرب سقط عليه - من قبيل الصدفة البحتة - قبل ستة أشهر من احتجازه. وافق إبراهيم على أن يشهد بهذا ظنا منه أن أخاه لا يزال على قيد الحياة، لكن بحلول موعد دفن محمد، كانت جماعة الإخوان المسلمين قد أذاعت تسجيلها على موقعها، وحظيت القضية باهتمام إعلامي كبير، ليس فقط في وسائل إعلام جبهة المعارضة التي كثيرا ما تفضح بالتفصيل قضايا التعذيب، بل أيضا في وسائل الإعلام الدولية - غير المهتمة عادة - فترة وجيزة. ومن ثم، سحب إبراهيم شهادته، وأعلن مكتب النائب العام على غير العادة أنه سيولي القضية المزيد من التحقيق، واستخرج جثمان محمد من أجل المزيد من الفحوصات، وأخبر حمدي الباز محامي الأسرة صحيفة الأهرام الأسبوعية أن «ظروفا واضحة استدعت إعادة فحص الجثمان»، واستشهد بتقرير أصدره مفتش الصحة ما إن أودع محمد المستشفى جاء فيه أن التعذيب استخدم مع محمد، وأضاف الباز أن ليس على المرء سوى أن يتأمل السرعة التي نقل بها جثمان محمد لدفنه كي يدرك أن وزارة الداخلية أرادت إنهاء تلك القضية سريعا. وقال الباز في مقال الأهرام نفسه: «هناك سلسلة من المؤامرات ... جميعها يسعى إلى إخفاء الظروف التي أدت إلى وفاة محمد.» وأعد ملفا للقضية يشمل التسجيل الذي كان بحلول هذا الوقت قد شوهد عشرات الآلاف من المرات في جميع أنحاء العالم.
إن لم تكن العدالة المصرية سريعة، فلا قيمة لها.
في أوائل سبتمبر/أيلول برأت مجموعة من خبراء الطب الشرعي الذين عينتهم الحكومة المصرية ضباط قسم المنصورة من الاتهامات كافة، وتوصلت إلى أن محمد توفي بسبب «انخفاض حاد في ضغط الدم، وفي أداء الجهاز التنفسي.» وهي نتيجة تتفق تماما مع قصة الأسرة أيضا! •••
سمعة أقسام الشرطة بين عامة المصريين اليوم تجعلهم ينفرون من الإبلاغ عن الجرائم، حتى الخطيرة منها، خوفا من إثارة غضب ضابط شرطة فظ حاد الطباع، أو من أن يتبين أنهم يشكون شخصا ذا «صلات» هامة يمكنه أن يحيل حياة صاحب الدعوى إلى جحيم ببضعة اتصالات هاتفية ببعض ذوي النفوذ في السلطة. وقد ذكرت منظمات لحقوق المرأة أن ضحايا العنف الجنسي من النساء على الأخص لا يبلغن أبدا تقريبا عن الجرائم التي ترتكب في حقهن. وليس عليك أن تبحث كثيرا لتعرف السبب؛ فبما أن ضباط الشرطة أنفسهم يستخدمون كثيرا الاغتصاب وسيلة للاستجواب أو ربما وسيلة للتسلية (حتى مع صبي هزيل في الثالثة عشرة من العمر كمحمد، تهمته الوحيدة هي سرقة عبوة شاي)، فمن الطبيعي أن يتبين أنهم لا يبدون أي تعاطف لدى الاستماع إلى الضحايا؛ أضف إلى هذا الاعتقاد الراسخ في هذا المجتمع الذكوري بأن النساء اللائي يغتصبن قد استحققن هذا أو طلبنه بطريقة ما، ومن ثم تصبح صعوبة الإبلاغ عن الجرائم والتعامل مع رجال الشرطة صعوبة مطلقة. أما النساء اللائي يواجهن بشجاعة ترهيب أقسام الشرطة التي يسودها الرجال على نحو مطلق، فيذكرن أن تجاربهن لم تزد جراحهن إلا سوءا، وأن ردة الفعل الأولى لأي بلطجي يجابهنه يدعو نفسه شرطيا هي أن يسأل بخسة إن كان من الممكن أن يتقابلا فيما بعد هذا المساء في مطعم للوجبات السريعة للتباحث أكثر في المسألة؛ فمن وجهة نظره، بما أن «عرض» المرأة قد مس، يصبح اللوم عليها، وتصبح لقمة سائغة.
يحتار المرء فيما عليه أن يقوله في سياق الاعتقالات التي قام بها مئات من رجال الأمن عام 2001 لبضع عشرات من الرجال افترض أنهم «شواذ» يرقصون على ظهر قارب نزهة كان راسيا بالنيل في القاهرة. تعرض الاثنان والخمسون معتقلا (الذين اعتقل خمسة وثلاثين منهم على ظهر القارب وسبعة عشر في مناطق أخرى بالقاهرة) للتعذيب، وبعضهم ضرب بقسوة، وحتى أصغرهم - وهو في الخامسة عشرة فقط من العمر ولم يكن بقاعة الرقص ساعة إلقاء القبض عليه - أخبر الصحفيين أنه ضرب بعصا غليظة على ساقه وقدميه، وتلك أداة تعذيب تترك كثيرا الضحية غير قادرة على المشي أياما. ولم تكن محاكمة هؤلاء السجناء إلا مظهرا صاخبا؛ إذ منعت أسرهم وأقاربهم من دخول قاعة المحكمة، وشعروا بالإحباط إزاء محاكمتهم بمحكمة أمن الدولة (التي نشأت من الأساس للبت في قضايا الإرهاب والتجسس)، مع حرمانهم من حق الاستئناف. غير أن اعتقال مجموعة من الرجال لا لشيء إلا لأنهم يرقصون معا على يد البلطجية الممولين من قبل الدولة - الذين يزعم أنهم يعمدون كثيرا إلى الاعتداء الجنسي كوسيلة لتعذيب ذكور المعتقلين - هو أمر يتجاوز بكثير المفارقة. إنه يشير في الواقع إلى النفاق المقيت والوحشية القاسية التي يقوم عليها نظام مبارك، ويدلل على دولة تعمل فيها خدمات الأمن لا على حماية الشعب من الجرائم بل على حماية قادة المجتمع ممن يمقتونهم. •••
صفحه نامشخص