وأستغل هذه الفرصة وأقول للقارئ سواء كان مهتما بالتاريخ أو مؤلفا أو مؤرخا يجب عليك - أخي - ألا تنظر لاتهامات الآخرين لك، فهم لا يملكون موتا ولا حياة ولا يملكون جنة ولا نارا وليس بالضرورة أن ترضي الناس كلهم فهذا صعب بل إن الأكثرية غالبا تكون على باطل ولذلك نجد أن الله عز وجل يذم الكثرة: {أكثرهم لا يعقلون}،{أكثرهم للحق كارهون}،{أكثرهم يجهلون}، {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا} } ، وقد قال ابن مسعود (الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك) فالجماعة لا تعني جماعة الغوغاء إنما جماعة العقلاء فأنت يجب عليك أن لا تخشى أن يقول الناس: فلان منهجه كذا أو نيته سيئة أو عقيدته كذا أو متهم في العقيدة أو يخالف الإجماع فهذه الأقوال كلها لا عليك منها فإذا كان الله راضيا عنك فليس الواجب أن يبحث المسلم عن رضا الناس إنما يبحث عن رضا الله، فإذا قصدت - أخي المسلم - وجه الله بأعمالك فأنت إن شاء الله إلى خير، صحيح أنك قد تتضايق في البداية عندما تتنكر لك بعض الوجوه التي كنت تعرفها ، وينقبض عنك بعض الأصدقاء، فهذا أمر طبيعي لكنك لست أفضل من الرسول صلى الله عليه وسلم فقد انقبض عنه أقرب الناس إليه كعمه أبي لهب وتفرق عنه بعض أصدقائه وارتد بعض أصحابه في حياته وبعد مماته، واتهمه الناس بالسحر والجنون مثلما الناس اليوم قد يتهمون صاحب الحق بالبدعة والاستشراق فالحق لا بد له من تضحية، ولو سلم أحد من الأذى لسلم الأنبياء والمرسلين ولو نظرت للتاريخ لوجدت أنه ما من صاحب حق إلا ابتلاه الله بأعداء يرمونه بما لا يليق ويصمونه بما هو منه بريء وهذا ثمن كلمة الحق! ليعلم الله الصادقين الذين يبحثون عن الحقيقة ويعلم الذين يبحثون عن السلامة مع ثناء الدهماء من الناس ورضاهم! بل إن تنكر البعض وتغيرهم في التعامل معك أمر ينبغي أن تشكر الله عليه لأن هؤلاء (المتلونين) مع الرياح لا ينبغي أن يؤخروك عن مشاريعك العلمية ولست مسئولا عن إرضائهم وكلما تخلصت منهم كلما استطعت أن تفكر بمنهجية أكثر بعيدا عن الإحراجات التي لا تخدم العلم ولا الحقيقة وسيعوضك الله بدلا منهم بمن يقدر هذه المنهجية فلا عليك إذن من تلون بعض الناس فتركهم أولى (ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه).
إذن فنصيحتي لأخي القارئ إن كان يريد الحق ويبحث عنه، فعليه أن يكون واضحا ما أمكن، ولا يخشى في الله لومة لائم، ولا يجوز له أن يحمي سمعته في مقابل التضحية بما علمه الله من حق، بل العكس هو المطلوب، ولو حمى الأنبياء سمعتهم لضحوا بالرسالات من أجل السمعة، ولو حمى الصالحون سمعتهم لما دعوا إلى الحق ولا أنكروا باطلا، فالسمعة سمعتان؛ سمعة عند الله، وسمعة عند الناس، وأنت مخير بين هذه وتلك، فإذا اخترت السمعة عند الله؛ فسينصرك الله، ويقلب ذم الناس لك مدحا، ولو بعد زمن، وإذا رضيت بالثانية، قد ينقلب عليك المدح في المستقبل إلى ذم، لأن الله هو مسير الأمور، وهو الذي بيده الأمر كله، وليس بيد الناس الضعفاء، ثم إن سكوتك عن الحق وسكوت الآخر والثالث والرابع يترك مجالا لازدهار الباطل وتسيده، وأنت بهذه السلبية مشارك في الباطل شئت أم أبيت! فلابد أن يتمعر وجه المصلح في الله.
إذن فعليك أخي القارئ أن تحدد موقفك من البداية، فإذا كنت ستهتز لأول اتهام لك فأرح نفسك من الآن وأصلح قلبك وعزمك قبل أن تواجه الجحافل! وإن شعرت أنك لا تبالي إلا برضا الله فقط فأعلن مواقفك العلمية سواء كانت تاريخية أو حديثية أو فقهية أو غيرها، وثق بأن الله عز وجل قد تكفل بنصرة الحق وأهله ولو بعد حين، ولا تستعجل في هذه النصرة فقد لا تأتي إلا بعد موتك فلا عليك لأن هذه الدنيا لا تساوي شيئا قياسا بالآخرة وقياسا بالحق الذي تتبناه وتدعو إليه.
صفحه ۷۲