وتلمع بعد اليأس بارقة المنى ... ويصدق من وعد الرجاء كذابه
ومن لي بدهر لا يزال محاربي ... تفل مواضيه وتنبو حرابه
عقور على شلوى يعض بنابه ... وتعدو علينا بالعوادي ذائبه1
تعقيب:
ذكرنا آنفا أن هذا الأدب وليد العصر السابق، وأنه لم يتأثر أدنى تأثر بالحركة العلمية التي حمل محمد علي لواءها في مصر، كما رفع رجال الإرساليات التبشيرية هذا اللواء في بعض بلاد الشام؛ لأن هذه الحركات فضلا عن أنها كانت في بدء نشأتها، بحيث لم يستفد بها هؤلاء الرجال الذين ترجمنا لهم، والذين هم خير من أنجب عصرهم، فإن هذه الحركات كانت علمية لا تعنى بالأدب إلا القليل.
والنماذج التي أوردناها لهؤلاء الأدباء من شعر ونثر, تفصح عن تعلق أكثرهم بتلك الحلى المتكلفة, والزخارف اللفظية، والمعنوية، والتي تضحي بالفكرة في سبيل المحسن المقصود، والفكرة في ذاتها ضحلة، والخيال يكاد يكون معدوما، وما بها من معنى فهو مأخوذ من السابقين، وليته ظهر واضحا كما ظهر عند المتقدمين من الشعراء، ولكنه توارى تحت ستار كثيف من المحسنات الثقيلة، والنسج ضعيف إلا القليل.
وأما الأغراض فهي تلك المقاصد التقليدية التي صار عليها الأدباء من قديم، ولم يظهر فيما رأينا أية بادرة للروح القومية ويقظة الشعوب، والأغراض العامة، وإفصاح الشاعر عما يجيش في نفسه هو من حزن وألم، وفرح ولذة, مما يلاقيه في الحياة، بحيث يبدو مستقلا في شخصيته عن أمير يمدح، أو عظيم يرثى، وربما كان عند بعض شعراء الشام أو العراق في ذلك الوقت -كما رأيت- كلف بالطبيعة ووصفها؛ لأن الشاعر الحساس لا يملك أن يغمض عينه مهما كانت من الضعف, أو ألا ينجذب ذوقه مهما كان عليه من المرض، أمام هذه الطبيعة الفياضة بالفتن والمحاسن في بلاد الشام، والطبيعة ثمة تغري على القول:
تبدل كل آونة لبوسا ... خيال العبقري به يضل
بيد أن وصف الطبيعة، وإن دل على حس مرهف، وتأثر بجمال، فإن الصياغة والمعاني تئن من الضعف والركة، ولم يلم لهم إلا القليل مما تبدو عليه آثار العافية والصحة والجمال.
صفحه ۶۰