David Wright Prall (1886-1940م) خليقا بأن يوافق (مع شبنجلر) على أنه «لو لم تكن للمؤلف الموسيقي انفعالات يعبر عنها ولا مشاعر حيوية يضفي عليها بالصوت صبغة خارجية لكان أقصى ما يستطيع عمله هو أن يكرر نماذج مألوفة أو عميقة ...»
5
ولكنه ما كان ليتفق مع شبنجلر على أن موسيقى العالم الغربي في القرن العشرين هي فن سائر في طريقة التدهور الذي لا خلاص منه؛ فقد رأى «برال» أن موسيقى القرن الحالي فن قادر على السمو بالمتع الحسية للإنسان، وتعميق حياته العقلية؛ إذ إن الموسيقى، من بين سائر الفنون، هي كما كتب برال «ربما كانت فيما يتعلق بالقدرة التعبيرية الانفعالية، أعمقها وأغناها، وأوسعها نطاقا وأعظمها قوة، فضلا عن كونها أكثر مرونة ...»
6
ومن بقية الفلاسفة الأمريكيين، يشكو سانتيانا
Santayana (1863-1952م) بسخرية من أن «الموسيقى عقيمة في أساسها، شأنها شأن الحياة ذاتها ...» ويقول: «إن ما يستمتع به معظم الناس ليس الموسيقى، وإنما هو حلم يقظة خامل تخفف منه سورات عصبية.»
7
أما جون ديوي (1859-1952م) فقد كان خلق عالما عقليا بلا حقائق ثابتة أو معتقدات راسخة عن الجمال والخير، ورأى أن أفضل نظرة إلى المثل العليا الموسيقية هو أنها كلها فروض تظل التجربة الفردية تختبرها على الدوام.
ولكي نقدر الدور الذي قام به الفلاسفة في التأثير على مجرى التاريخ الموسيقي على نحو مباشر أو غير مباشر، يكفينا أن نذكر أن ما بدا مجرد نظرية جمالية في كتابات أفلاطون قد أصبح واقعا فنيا في العهود الأولى للمسيحية؛ فقد ميز آباء الكنيسة بين الألحان الدينية والألحان الدنيوية، وبين الأنغام المسيحية والأنغام الوثنية، وكانوا يرون أن المسيحي الأمي يمكن أن يعلم الكتاب المقدس بالموسيقى، حتى لو اقتضى ذلك إقامة رابطة فنية بين وثنية مغوية وبين فقرة من فقرات الكتاب المقدس. وقد عمل آباء الكنيسة على كبت الاتجاهات الموسيقية الجديدة وقمعها، خشية أن تؤدي المؤثرات الرومانية أو العبرانية إلى إفساد البساطة الروحية للحياة والعقيدة المسيحية، وردد قادة حركة الإصلاح الديني هذه الاتجاهات الموسيقية لحماية عقيدتهم، بدلا من أن يستغلوا نقاط الضعف الجمالية في آراء الكنيسة الأم (الكاثوليكية).
هناك فيلسوف آخر كان له تأثير عميق في تاريخ الموسيقى، هو بويتيوس. ولقد كان ما حاول القيام به بالفعل هو التوفيق بين الاتجاه الأخلاقي عند أفلاطون وبين تفسيره الخاص للاتجاه العلمي عند أرسطو. وإذا كان موته المبكر لم يتح له إتمام عمله، فقد تولى هذه المهمة موسيقيو العصور الوسطى الذين خلقوا أسطورة «بويتيية» عادت إلى الفكرة الفيثاغورية القائلة إنه إذا كانت مهمة الموسيقى هي محاكاة انسجام الأفلاك، فمن الواجب أن تتصف المؤلفات الموسيقية بنفس الدقة التي تتسم بها تلك القوانين التي تسير بمقتضاها حركة الأجرام السماوية. وهكذا أصبحت الأخلاقية في الموسيقى متوقفة على العلم، أدى العلم الموسيقي بمضي الوقت إلى وضع قوالب ثابتة متحجرة.
صفحه نامشخص