فيلسوف العرب والمعلم الثاني
فيلسوف العرب والمعلم الثاني
ژانرها
والأسى قبل فرقة الروح عجز
والأسى لا يكون بعد الفراق
5
ويقول أيضا:
فزوى وجهه عن مباحث ما وراء الطبيعة وأبعدها إلى مؤخرة فكره ... كلا ليس للمتنبي صبر على هذه الفلسفات ... إنما هو فيلسوف الحياة سننها وصروفها، وليس فيلسوف الحياة مصادرها ومصائرها.
6
ويقول الأستاذ في إجمال ما فصله من مذهب المتنبي في غاية الحياة وأصل الأخلاق والفضائل:
فالسيادة هي غاية الحياة، والقوة هي أصل الأخلاق والفضائل والمحور الذي تدور عليه المحامد والمناقب. وهو يحيط بأمور كثيرة في شعره، ولكنه يطبعها جميعا بهذا الطابع ويردها بلا استثناء إلى مقياسه هذا الذي لا يتغير في قصيدة عن قصيدة ولا في بيت عن بيت، ولا يسع أحدا بعد الأبيات المطردة والأمثلة المتواترة التي سقنا بعضها هنا، والتي لم تأت عفوا ولا فلتة ولا انتحالا، إلا أن يذكر نظائرها من فلسفة فريدريك نيتشه نبي دين القوة في العصر الحديث.
7
ويرى الأستاذ شفيق جبري «أن المتنبي إذا خلد، فإن الذي يخلده إنما هي تلك الحكم الرائعة التي استفاضت في شعره، فاستشهد الناس بها بحسب ما يقتضيه مقام الاستشهاد: فكأن أبا الطيب لسان حال البشر بأجمعه، فقد يقذف المتنبي في بيت أو فى بيتين مذهبا فلسفيا أو علميا يشتغل به المفكرون كل حياتهم ... قد تكثر هذه النظرات الفلسفية في شعر المتنبي؛ ولكني أمر بها كما مر بها أبو الطيب نفسه؛ لأنها لا تؤلف الفلسفة التي أريد الكلام عليها، أي: لا تؤلف فلسفة المتنبي وإنما هي خطرات قد يجوز أن يكون اقتبسها من الكتب المترجمة، أو دله عليها عقله الكبير فلم يتوسع فيها؛ وإنما الذي توسع فيه النظر في الحياة وأخلاق أصحاب هذه الحياة ... فكأن الحياة قد عرضت عليه صورها المختلفة وأشكالها المتباينة، فاستنبط من خيرها وشرها ومن حلاوتها ومرارتها، ومن كرمها ولؤمها أمثالا قذفها في أبيات وأنصاف أبيات، فالرجل قد جرب كثيرا حتى أحكمته التجاريب، وتغلغل في بواطن القلوب فأعطته مقاليد أسرارها، فلا يكاد يحدث حادث في هذه الحياة إلا ونجد في شعر أبي الطيب ما يمثل هذا الحادث، فما أقرب الحكمة من طرف لسانه، وما أجراها على شق قلمه، والحكمة إذا كانت بنت التجاريب، كانت أعلق بالأذهان وأسير في الأيام؛ والمتنبي ابن التجاريب.»
صفحه نامشخص